استدامة العمل الخيري

محمد سالم آل علي

سألني أحد الأصدقاء عن إمكانية تطبيق الاستدامة في العمل الخيري وتشعباته، فقلت له: بالطبع وبالتأكيد، فلطالما كان الخير طريقاً يمهّد للاستدامة، ولطالما كانت الاستدامة موكباً نحو الخير، فدعني يا صديقي أشرح وأستفض، فالعمل الخيري هو عماد التماسك الاجتماعي، وإذا ما زيّنّاه بالاستدامة فلا شك أنه سيدفع باتجاه المزيد من العطاء والتراحم. فكيف نصل بالعمل الخيري إلى أعلى درجات الاستدامة؟ لا شك أن العمل الخيري هو سعي نحو الخير، إلا أن استدامته غالباً ما تعوقها تحديات مختلفة، مثل الهدر وسوء التوزيع، وأحياناً عدم الكفاءة؛ ومثل تلك القضايا ستحدّ حتماً من تأثير الجهود الخيرية. فالهدر على سبيل المثال نراه في الأنشطة التي يغلب عليها الإفراط في التبرع؛ ولعل الحل الأمثل هنا هو قيام الجهات الخيرية بتنظيم عمليات إدارة المخزون، والتركيز على ممارسات التبرع القائمة على الحاجة والطلب. أما سوء التوزيع فيشير إلى عدم وصول الموارد إلى من هم في أمس الحاجة إليها؛ والحل هنا هو تعزيز التعاون بين المؤسسات الخيرية جنباً إلى جنب مع تبني استراتيجيات التوزيع القائمة على البيانات، حيث تُسهم البيانات والدراسات في تحديد المحتاجين الفعليين، وبالتالي ربطهم بالموارد المطلوبة.

نأتي إلى عدم الكفاءة، وأقصد هنا الافتقار إلى المهارات والممارسات الإدارية السليمة اللازمة لتشغيل البرامج الخيرية، وما يترتب على ذلك من إفقار كامل لفاعلية الجهد الخيري، والأمثلة هنا كثيرة جداً، أذكر منها سوء التخطيط والتنفيذ، وسوء إدارة الأموال، وأحياناً الفشل في إدارة المخاطر أو حتى التنبؤ بها قبل وقوعها؛ لكن الجميل في الأمر هو أنه، وكما هي كثيرة المشكلات، كثيرة أيضاً حلولها، وأولها الاستثمار في التدريب والتطوير المهني للموظفين؛ وثانيها عمليات التدقيق المالي، والتي تقود إلى تعزيز الثقة ما بين الناس والجهات؛ وبالطبع هناك عمليات التقييم ومراقبة الأداء، ولا يخفى هنا دور الحوكمة التي تتجلى من خلال وجود مجلس إدارة يتمتع بالمعرفة والخبرة للإشراف على العمليات واتخاذ القرارات.

تعلّموا من دولة الإمارات

أقول ختاماً إن العمل الخيري المستدام يتأتى من خلال معالجة جميع القضايا والمعيقات، وأيضاً من خلال التعلّم من الأمثلة الرائدة مثل دولة الإمارات، كيف لا وهي التي كانت على الدوام واحدة من أكبر الجهات المانحة لكل ذي عَوَز وضيق، والأولى أيضاً في تقديم الإغاثة عند الأزمات؛ وما ذلك كله سوى نتيجة حتمية لاجتماع الكرم والرشاد.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر