استدامة المعرفة

محمد سالم آل علي

يوماً بعد يوم يبرز مفهوم استدامة المعرفة كموضوع محوري يطال سائر جوانب المشهد التعليمي مهما اختلفت مراحله أو تعقّدت دراساته، ولعل أبرز ما يعطي هذا المفهوم زخمه وأهميته المتصاعدة، هو كونه لا يرتبط بالحفاظ على المعرفة البشرية وتناقلها عبر الأجيال فحسب، بل إنه يتخطى ذلك بكثير ليضم تحت جناحيه واحدة من أهم العمليات المعرفية المطلوبة لاستشراف المستقبل، ألا وهي رعاية المهارات الفردية وتنمية القدرات اللازمة للابتكار وحل المشكلات.

وفي هذا الإطار يبرز دور الصحافة المدرسية كعنصر حاسم ومؤثر، لاسيما بما تقدمه من فرص غنية لتعزيز إبداعات الطلاب وإعدادهم لبناء المستقبل المستدام، فمن خلال الصحافة المدرسية يتعلم الطلاب فن التواصل الفعال، حيث يتعلمون طرق التعبير عن أفكارهم بشكل واضح ومقنع، وأيضاً التعبير عن المفاهيم المعقدة بإيجاز وسلاسة، ناهيكم بالتحسن الهائل في مقدراتهم اللغوية، ذلك أن عملية صياغة المقالات والتقارير تعمل على تحسين الكفاءتين النحوية والإملائية، ما يتيح للطلاب فرصة استثنائية للإبداع اللغوي لا يقدمها أي منهاج آخر.

يُضاف إلى ذلك دور الصحافة المدرسية في تعريف الطلاب بأساسيات البحث، وهي مهارة بالغة الأهمية للمعرفة المستدامة، حيث يتعلم الطلاب كيفية جمع المعلومات والتحقق منها، وبالتالي احترام الدقة والمصداقية عند النقل واستخدام المصادر. وبما أن الصحافة المدرسية تغطي موضوعات متنوعة تجمع ما بين المحلي والعالمي، فهي تعمل على توسيع وجهات نظر الطلاب ومداركهم الثقافية.

وما أقصده هنا بالمدارك الثقافية هو وصول الطلاب إلى مرحلة من الفهم العميق من خلال ملامستهم للثقافات ووجهات النظر المختلفة.

ولعل قائمة ما تعدنا به الصحافة المدرسية تطول وتتسع، لتشمل على سبيل المثال المهارات التعاونية التي يكتسبها الطلاب عبر مشاركة الأفكار والعمل مع الآخرين، وكذلك تعزيز الالتزام بالتعلم المستمر، حيث إن الطبيعة الديناميكية للصحافة تغرس في الطلاب عقلية راسخة توجههم باستمرار نحو التعلم، وكذلك هناك الإسهام الكبير في تعزيز التوعية المجتمعية والبيئية، ومثال ذلك برامج الصحافة المدرسية التي تشجع الطلاب على تغطية العديد من القضايا الملحّة، ما ينمي شعورهم بمسؤولياتهم وبالشكل الذي يتماشى مع مبادئ الاستدامة.

لا أبالغ في الختام إذا قلت لكم إن الصحافة المدرسية هي ركن أساسي تستند إليه استدامة المعرفة، بل أزيد أيضاً أن الصحافة المدرسية هي مؤسسة متكاملة لصناعة المستقبل، والاستثمار فيها واجب ومطلوب، ليس لأنه استثمار في الطلاب والأفراد، بل لأنه استثمار في مستقبل المعرفة والتقدم المجتمعي، ولا أفضل من تكاتف الجميع، مدارس وجامعات وسائر الجهات، لاحتضان هذه المؤسسة ورفد المجتمع بأجيال من الكُتّاب وصُنّاع الاستدامة.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر