في جوّالي جِنِّيّ

د. بروين حبيب

حكى لي صديق أنهم يوم اشتروا تلفزيوناً بجهاز تحكم عن بعد، عمل مقلباً في جدته ليمازحها، فجلس على الأريكة جنبها يتفرجان على مسلسل، ثم قال لها بهدوء إنه سخّر جنيّاً يطيعه في كل ما يأمره به. ولما أبدت عدم تصديقه قال لها انظري إلى التلفزيون، وكان قد أخفى جهاز التحكم جنبه، وبدأ بإصدار الأوامر إلى الجهاز أن يرفع الصوت أو يخفضه أو حتى ينطفئ، فقامت جدته من جنبه مهرولة وهي تستعيذ بالله من شرّ ما خلق، وتنظر إلى حفيدها نظرة مريبة حتى شرح لها ضاحكاً ما فعله.

تذكرت هذه الحكاية وأنا أقرأ مقالاً عن مستقبل تكنولوجيا الهواتف الذكية التي ستنقلها توأمتها مع الذكاء الاصطناعي إلى آفاق يصعب حتى تصوّرها. والحقيقة أنني وأبناء جيلي نجد صعوبة في التأقلم مع سباق التكنولوجيا المحموم، وليس سراً أن أغلبنا يلجأ إلى صغار العائلة عند أول مشكلة تكنولوجية تعترضه، فهذا الهاتف حينما كان مربوطاً بشريط في البيت كنا أحراراً، وحينما أطلقنا سراحه أصبحنا نحن الأسرى لديه، وأصبح يدنا الثالثة. في القريب العاجل - حسب المقال - سينبهك هاتفك حين تمر على مطعمك المفضل ألا تنسى زيارته، وسيرد على بريدك الإلكتروني بنفس أسلوبك، كما يعدّل صورك دون أن تحتاج لإتقان أي برنامج؛ فيحذف ويضيف ويغيّر أماكن الأشياء، بل يجيب بصوتك نفسه على من يتصل ليعتذر أو يؤجل موعداً.

ولننظر مثلاً إلى القائمة الطويلة من الأسماء ذات الوظائف المتعددة التي نراها آخر كل فيلم. قريباً سيتمكن شاب موهوب يحمل هاتفاً ذكياً مزوداً بذكاء اصطناعي توليدي أن يستغني عنها، فيكتب السيناريو ويستحضر ممثلين تكنولوجيّاً بالشكل الذي يريده وفي المكان الذي يريده ثم «يمنتج» فيلمه ويخرجه وينشره.. كل هذا وهو جالس في المقهى يحتسي مشروبه المفضّل، فالجوالات أصبحت تتنافس في سرعتها وقوّتها مع أجهزة الكمبيوتر المحمولة، ومن قرأ الصفحات السبع التي كتبها بيل غيتس بعنوان «بداية عصر الذكاء الاصطناعي» في شهر مارس الماضي سيذهل حتماً ويتساءل إلى أين ستوصلنا التكنولوجيا؟!

وحتى لا أُفهم خطأ لست ضد هذه الاختراعات والتطورات، فأنا على يقين بأن من لا يتجدد حتماً سيتبدد، ولكني أعترف - أنا القادمة من زمن الكتابة بالقلم ودروس تحسين الخط، والتي عاشت عمراً وهي لا ترى للهاتف سوى وظيفة الاتصال الصوتي عند استحالة اللقاء المباشر - أعترف أنني أصبحت عاجزة عن معرفة مزايا الجوالات الجديدة واستخداماتها، وأخشى أن أتصل يوماً بصديقة فيرد جوّالها بصوتها نفسه: «إنها نائمة الآن، وحين تستيقظ سأذكّرها لتعيد الاتصال بك»، حينها سأستعيذ بالله من شرّ ما خلق مثل تلك الجدة لأن جوّال صديقتي تلبّسه جنيّ.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر