جبر القلوب

الدكتور هشام الزهراني

في يوم من الأيام وعند صدر النهار قدم قوم من بعيد على النبي - صلى الله عليه وسلم - يأملون الخير، وحينما رآهم تغير وجهه - صلى الله عليه وسلم - شفقة ورحمة بهم وبحالهم، فقد كانوا في حالة يرثى لها من الفاقة وقلة الحيلة، فالجائحة ألمت بهم فأكلت الأخضر واليابس، فدخل منزله - صلى الله عليه وسلم - وخرج ثم أذن وأقيمت صلاة الظهر فصلى، فما أن فرغ من صلاته إلا وقام خطيباً يحث الناس على التصدق والعطاء من الأموال والأثواب والطعام لهؤلاء القوم، حتى صار لديه كومان من طعام وثياب فتهلل وجهه كالمُذهَبة وسُرَّت نفسه لما رأى من مسارعة الصحابة في نجدة هؤلاء القوم، ولِما اجتمع لديه من مؤن كافية للقوم أظهرت ثقة الصحابة بوعد الله تعالى الذي أعده للمحسنين والمتصدقين، وفعلاً أخذوا زادهم ورحلوا قريري العين مجبوري الخاطر.

وفي كل وقت وحين هناك أفراد أو جماعات يحيق بهم صنوف من شدة العيش وضنكه يحفهم من كل جانب فلا يدع لهم قطميراً ولا نقيراً، يحتاجون إلى من يجبر خاطرهم ويسند ضعفهم في محنتهم وكربتهم.

وينتج عن هذه المحن نوعان من الابتلاء على الطرفين، الأول الابتلاء بالضراء وهي المصائب الناتجة عن الكوارث من فقد الأحباب والأموال والمتاع على المتضرّر، والناجح في هذا النوع من الابتلاء هو الذي يصبر على المصيبة مع مرارتها وشدتها فلا يسخط ولا يتضجر مما لقيه من ضُر بل يحتسب الأجر عند الله تعالى. والثاني وهو الابتلاء بالخير، بأن ينعم الله على الناس ويغدق عليهم نعمه ظاهرة وباطنة، والناجح في هذا الابتلاء هو من يقدم أمواله للأرامل والفقراء وأولئك المنكوبين شكراً لله تعالى وجبراً للمصاب، وهذا الابتلاء أشد في نظري من الأول، لأن الأول محسوس ملموس يذيب القلب الجليد بصورة تلقائية لمن كان عنده أدنى شعور. أمّا الثاني فإن صاحبه قد لا يدرك أنه في دائرة الابتلاء، والمطلوب منه أن يتجاوز هذا الامتحان بتوفيق من الله تعالى بجبر القلوب المنكسرة لتعود سعيدة مطمئنة.

{ونبلوكم بالشر والخير فتنة}

تويتر