منتدى الوصايا

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

أقامت دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري في دبي «منتدى الوصايا»، بعنوان «الوصايا وأثرها في المجتمعات»، عُنِي ببحث الوصايا الشرعية التي حثت عليها الشريعة الإسلامية، وعُنِيَ بها الفقه الإسلامي عناية كبيرة، فكم وصانا ربنا سبحانه في كتابه المبين بأداء الحقوق للأقربين والإحسان إليهم! وكم حثنا نبينا عليه الصلاة والسلام على فعلها حتى جعلها حقاً على كل ذي حق، فقال: «ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده»، غير أن التلبية لفعلها وتطبيقها في الواقع لم ينل الحظ الكافي في عمل الناس، فكم قطعت من أرحام! وكم حُرم الكثير من الأجر بسبب التقاعس عن الوصية لذوي القربى والمساكين والمستحقين من المسلمين أو غيرهم! فكان لابد من تحريك الهمم الإنسانية لتفعيلها في واقع حياتهم أداءً للحقوق الواجبة عليهم، أو إثباتاً لما لهم عند غيرهم، أو تداركاً لفعل الخير الذي يودون التقرب به إلى ربهم سبحانه.

هذا وقد نالت بعض الأبواب الفقهية المالية حظها من البحث عند العلماء المعاصرين، كما كان عند علمائنا المتقدمين، لكن الوصية التي هي من أهم أبواب فقه الاقتصاد لم تنل مثل ذلك، عدا سبق طرح لها في الدورة 25 لمجمع الفقه لإسلامي الدولي، لكن البحث هناك علق لوقت آخر؛ فكان بحثها بمحفل علمي كبير من حظ دائرتنا الموقرة التي لها سبق كريم لمثل هذه المحافل الفقهية. وقد شارك في المنتدى عددٌ من الباحثين الأكاديميين من داخل الدولة وخارجها، تناولوا محاور مختلفة في فقه الوصايا، تعريفاً لها، وتأصيلاً لها ببيان أدلتها من الأدلة المختلفة، وأوجه الشبه والاختلاف بينها وبين التبرعات الأخرى من وقف ونذر وهبة وميراث، وحكمها الشرعي من حيث الوجوب أو الندب، وبيان مقدارها، ومستحقِّها، ومن لا يستحقها، وما يمكن أن يوصى به وما لا يمكن، وبيان أثر الوصية في الاستدامة النفعية، وأثرها في بقاء وشائج القربى والتواصل الرحمي، وما يدخل في باب الوصية من الأموال الرقمية والتكنولوجية، وكيف كان السلف يبادرون إليها، وحال الخلف المتقاعس عنها، ما أحوج التشريعات الوضعية لجعلها واجبة للأحفاد والأسباط المحرومين من الإرث بسبب الحَجب الشرعي، حتى لا يحروا مما يتركه الأجداد والجدات من الخير، مع ما في ذلك من معترك فقهي قديم وجديد، والسعي الحثيث لنشر ثقافتها، حتى تكون اختيارية، فيطيب أخذها وعطاؤها، ويعظم أجر فاعلها. كل ذلك وغيره كان محل بحث الباحثين وتعقيب المعقبين، ما جعل المنتدى ثريّاً بطرحه ونقاشه وتوصياته التي ينبغي أن تكون واقعاً مطبقاً لدى المسلمين.

 

*كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

قراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر