مفتاح الماضي ودليل المستقبل

محمد سالم آل علي

يتساءل كثير من الناس عن كيفية استكشاف أسرار الماضي وسبر أغواره، وعما دار في طياته من قصص وحكايات تروي رحلة تطور المجتمعات، وتغيّرها على مر العصور والأزمان. ولعل الإجابة الدقيقة هنا تتمثّل في التدوين، أو ما يسمى الأرشيف، إذا ما وضعنا الأمر ضمن سياق التاريخ وأحداثه، لأن الأرشيف هو تلك الخزانة السحرية التي تحتفظ بكل حكايات البشرية، منذ أيامها الأولى حتى حاضرها، ورؤاها المستقبلية. وما من تشبيه للأرشيف أبلغ من آلة الزمن التي ما إن تفتحوا بابها حتى تنطلق بكم إلى زمان غير الزمان.. زمان لا تعرفونه ولا تدركون خباياه، تتوارى فيه الوثائق والصور والسجلات والتجارب التي تمثّل خيوطاً زمنية تربطنا بكل ما مضى وانقضى.

ويبدو أن الاهتمام بالأرشفة والأرشيف يعود - في واقع الأمر - إلى بدايات الإنسان، أي حين بدأ بالتفكير في تنظيم الأمور والأعمال، حتى إن المكتبات الإنسانية الأولى - مثل مكتبتي إيبلا وأشور بانيبال - احتوت على آلاف ألواح الطين التي اختزلت وأرشفت سائر موضوعات الحياة في تلك الأيام الغابرة. ولم تتوقف الرحلة هنا، بل إن ذلك الاهتمام ازداد ونما مع تقدّم الزمن، ولاشك في أنه سيستمر ويتطور كلما طالت الأيام على هذا الكوكب.

ولعل أهمية الأرشيف تتجلى في مجالات أربعة: أولها التاريخ بما يوفّره من معلومات دقيقة عن الأحداث والأشخاص والأماكن في الماضي، وبالتالي إمكانية نقلها بدقة وموضوعية للأجيال التالية، وثانيها الإدارة، لأنه يساعد جميع المؤسسات على فهم ودراسة الوثائق التنظيمية، والمعلومات المالية والقانونية التي يكتنزها، إضافة إلى دعم المؤسسات في تنظيم أعمالها، واتخاذ القرارات المختلفة المبنية على التجارب والخبرات. وفي ثالث المجالات يأتينا القانون، والأرشيف هنا يُمثّل باعثاً جوهرياً للأنظمة والتشريعات كافة، لأنه وحده المحتفظ بماضيها وكامل مراحل تطورها.

أما رابع المجالات فهو البحث العلمي، والأرشيف هنا لا يمثل مصدراً فحسب، بل إنه شريك حقيقي لكل باحث عن العلم والمعرفة، فهو يساعد الباحثين والدراسين والعلماء في رحلتهم نحو الحقيقة، مهما اختلفت طبيعة دراساتهم أو غايات أبحاثهم.

ختام القول إن الأرشيف - بمفهومه الواسع والعميق - لا يمثّل أداة للبحث والتحقق فحسب، بل هو محطة للتفكير والإلهام، وهو الكنز الثمين الذي سيأخذ بيد البشرية في رحلتها الأزلية نحو فهم العالم، وتشكيل مستقبله بطرق مبتكرة ومستدامة.

وإذا كنتم تتساءلون عن سر تطورنا كجنس بشري، فعليكم بالاستمرار في استكشاف أروقة الأرشيف، وكونوا على يقين أنه عندما تفهمون ماضيكم، سترتقون بحاضركم ومستقبلكم، فالأرشيف ليس مجرد وثائق وأوراق، بل هو خريطة لمغامرة لا تنتهي.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر