من «اليونسكو» إلى «الألكسو»

د. بروين حبيب

كانت تلميذة في الإعدادي في مدرسة السلمانية للبنات في البحرين، يكافئها اجتهادُها بأن تفوز بالمرتبة الأولى في اختبار معلومات الأمم المتحدة على مستوى العالم (كما كُتب على الشهادة الممنوحة من قبل اليونسكو)، ويستولي عليها حلم أن تصبح يوماً ما كاتبة أو شاعرة، فأسلوبها الأدبي، وإلقاؤها الصحيح كانا دافعين لها لتتبع حلمها.

بعد سنوات طويلة من هذا النجاح، تقف تلك التلميذة المجتهدة على مسرح المنطقة الخضراء في ختام مهرجان الكتاب للعين، مكرّمةً من برنامج «من ذاكرة الأوائل»، بترشيح من السفيرة فوق العادة للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) الشيخة اليازية بنت نهيان بن مبارك آل نهيان، بالتعاون مع مركز أبوظبي للغة العربية، يتشارك معها في التكريم كبار تركوا بصماتهم في تخصصاتهم، مثل الدكتور علي بن تميم، وإيزابيل بالهول، والدكتور امحمد صافي المستغانمي، والممثل والمخرج السوري فايز قزق، والدكتور محمد ولد أعمر، مدير عام الألكسو، وهي كلها شخصيات تركت أثراً ثقافياً كبيراً، وأسهمت في الاستدامة الثقافية لبلدانها، كلٌّ في مجاله.

وبين تلك الطفلة التي تقف مرتجفة لتسلُّم لوحة تكريمها، وهذه السيدة التي تقف مع الكبار لتلقّي درع التكريم، انقضى عمر بآماله وآلامه ونجاحاته وخيباته. كان للتعب والاجتهاد والحفر في الصخر نصيب كبير منه في زمن يلزمك لتطل من إطار التلفزيون، أن تمتلك صبر جمل، ودأب نملة، وشراسة نمر، وكم هو الفرق شاسع بين ذاك الزمن وعصر السوشيال ميديا، حيث يكفيك قليل من الهبل، ممزوجاً مع رشّةِ وقاحة، لتصبح من المشاهير المؤثرين.

حين افتتح حفل التكريم بأوبريت «جبل التوباد»، من مسرحية مجنون ليلى، شعر أحمد شوقي، وألحان محمد عبدالوهاب، ونحن مجتمعون في ذلك الحفل البهيج، تحت «جبل حفيت» بمدينة العين، راودني شعور بالامتنان لهذه الأرض المحروسة بالجبلين، لما منحته لي من فرصة للتحقّق ولتحقيق الآمال، فأتاحت لي منبراً أنشأت من خلاله لهذا البلد أرشيفاً ثقافياً ضخماً، يضم حوارات مع مئات المبدعين والمفكرين والفنانين، بعضهم قدّم إضافات جادة للرصيد العالمي في الثقافة والفن.

كان خياراً قاسياً وجميلاً في آن واحد، أن أبدأ مشواري الإعلامي في تلك الاستديوهات الحميمة بعوازلها الإسفنجية الزرقاء الكاتمة للصوت، لا طمعاً في مال، ولا رغبة في شهرة، بل حباً في مهنة تكاد تصبح الآن مهنة من لا عمل له، وكم تشككت في صوابية خياري، وتمنيت لو اتّبعت مساراً آخر لحياتي، ولْيَكُن الشعر مثلاً، أو النقد الذي تخصصت فيه، ولكن حين يأتي التكريم من جهة ثقافية رصينة، يغمرني فيض الرضا، وأنظر باعتزاز إلى تلك الرحلة العجيبة ما بين تكريمَيْ «اليونسكو» و«الألكسو».

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر