حصان الثقافة الرابح

د. بروين حبيب

تقول الحكاية إن شاعرة بولندية تدعى فيسوافا شيمبورسكا نالت جائزة نوبل سنة 1966، إلا أن انتشارها بقي محدوداً، فـ«الشعر لا يبيع» كما يذكّرنا الناشرون كل مرة. وحدث لمناسبة وفاتها أنّ إعلامياً إيطالياً يسمى روبرتو سافيانو، يقدم برنامجاً ثقافياً في التلفزيون، بثّ فيه جزءاً من مقابلة قديمة له معها. وإذا بشركة أمازون تتلقى تلك الليلة طلب ما يقارب 1000 نسخة من ترجمة أشعار «شيمبورسكا» إلى الإيطالية، وهو كتاب ضخم في 800 صفحة. ولم تتوقف كرة الثلج هذه عن التدحرج، فقد تزايد الطلب على الكتاب، ما اضطر ناشره – وهو يتراقص فرحاً – أن يطبع منه في فترة قليلة 30 ألف نسخة، وهو الذي لم يبع قبل البرنامج التلفزيوني سوى عشرات النسخ.

وهذه الظاهرة ليست وحيدة، فقد كتبتُ مرة عن هاشتاغ «بوك توك» الذي أطلقته الأختان البريطانيتان ميراي لي (15 عاماً) وإلودي (13 عاماً) في فترة «كورونا» دفعاً للملل الناتج عن الحجر في البيوت (فشاركتا متابعيهما بعض ما قرأتا فحصد ستة مليارات مشاهدة خلال أسابيع معدودة، وارتفعت من ورائه مبيعات الكتب إلى أرقام قياسية، ما جعل كثيراً من دور النشر الغربية تعيد النّظر في سياساتها التسويقية وتعتمد مؤثري تيك توك حصاناً رابحاً تراهن عليه)، وقد ذهلتُ اليوم حين علمت أن هذا الهاشتاغ بلغ 197 مليار مشاهدة، كما هو مثبت على جداره في «تيك توك».

ذكرت هذين المثلين وأنا أشارك في جلسة نظمها لي موقع «فوشيا» باعتباري سفيرة الموقع الثقافية بعنوان «دور الثقافة والإعلام في تعزيز الوعي» في النسخة الثانية من مؤتمر الكونغرس العالمي للإعلام، الذي انعقد قبل أيام في أبوظبي. فالإعلام الثقافي، بعكس ما يعتقد الكثير، لايزال سلطة تسهم في صناعة الرأي العام وتوجيهه، إن أتيحت له مساحة فعلية وليس رفع عتب. مع التنويه أن عليه هو أيضاً أن يجدد ثيابه، وأعتقد أن برنامجاً يقوم على شخصين يجلسان على كرسيين متقابلين، بينهما طاولة عليها مجموعة كتب، منغمسين في حوار طويل مثقل بمصطلحات وأفكار مجردة، أصبح ينتمي إلى زمن آخر. فالإعلام الجديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي قلب الطاولة على الجميع، وأجبرنا على التفكير جدياً في الاعتماد عليه إن شئنا ألا تنقطع الجسور بيننا وبين جيل كامل، يستغني بشاشة هاتفه عن تلفزيون بيتهم. صورة للاعب كرة قدم أو مؤثر أو فنان مشهور وهو يمسك كتاباً تضاعف مبيعات ذلك الكتاب أكثر من عشرات الندوات التي تقام عنه.

هي فرصتنا لتعزيز الوعي ونشر الثقافة وبصورة أسرع مما كانت إن استفدنا من وسائل التواصل، ودمجناها مع إعلامنا التقليدي لتقديم الممتع المفيد، فهل مازال الوقت كافياً لركوب قطار السوشيال ميديا السائر بسرعة الضوء؟!

 

@DrParweenHabib1

تويتر