لا تخلط بين النشاط والإنتاجية

الدكتور علاء جراد

هناك نوع من البشر يضع كل همه في أن «يبدو» لا أن «يكون». وفي عالمنا نجد الكثير من هؤلاء الأشخاص الحريصين على أن يبدوا لا أن يكونوا، ومنهم مَن لا يفرّق بين أن يقوم بنشاط، أو أن يُنهي مهام تأتي بنتائج ملموسة.

تشير بعض النشاطات إلى حالة القيام بشيء ما، ويشمل ذلك نطاقاً واسعاً من الأفعال، بدءاً من الرد على الرسائل الإلكترونية، إلى الاطلاع على وسائل التواصل الاجتماعي، وحضور الاجتماعات، دون تقديم أي إسهام، أي مجرد «إثبات حالة». أما الإنتاجية فتحتوي أيضاً على أنشطة، لكن يتم فيها تحقيق نتائج ملموسة يمكن قياسها، ولها تأثير مباشر في أهداف المؤسسة، وتؤدي إلى تقدّم وتحسين في نطاق معين، مثل إنجاز مشروع شراكة مثمر، أو النجاح في عقد صفقة معينة، أو الانتهاء من إعداد عرض فني ومالي لمناقصة معينة، أو إكمال مشروع لمنتج جديد أو خدمة..

وبالطبع يسهل الوقوع في فخ الخلط بين النشاط والإنتاجية، حيث يجد الكثيرون أنفسهم مشغولين بطوفان من الأنشطة، معتقدين أنهم منتجون، لكن الحقيقة أنهم مجرد «نشطين»، ومع التشتت الرقمي يمكن أن يزيد التشوش وينخرط الناس في نشر «بوستات» على وسائل التواصل الاجتماعي، مقتنعين بأنهم أنجزوا أو قدموا شيئاً كبيراً لمؤسساتهم. ولفهم الفارق، على المرء أن يتخيل سيناريو، حيث يقضي فيه يوماً كاملاً بحضور الاجتماعات والرد على الرسائل الإلكترونية والقيام بمهام متنوعة، لكنه لا يحقق تقدّماً في مشروع حيوي واحد. في هذه الحالة، قد يكون الشخص نشطاً بشكل كبير، لكن إنتاجيته العامة تبقى محل شك. يكمن الجوهر في توجيه الجهود نحو المهام التي تصب مباشرة في الأهداف الاستراتيجية، وتسهم بشكل مباشر في تحقيق نتائج يمكن قياسها، كما تسهم في النمو الشخصي أو المهني.

إن الإنتاجية تتطلب نهجاً استراتيجياً يشمل ترتيب الأولويات وتحديد الأهداف، والقدرة على التركيز على المهام التي تتماشى مع الأهداف الاستراتيجية. إنها ليست مسألة فعل المزيد أو بذل المزيد من النشاط، بل مسألة فعل الأشياء الصحيحة، بما يتماشى مع مبدأ «باريتو» المعروف أيضاً بقاعدة 80/20، والذي يشير إلى أن 80% من النتائج تأتي من 20% من الجهود. إن التعرف على هذا الجزء الحاسم والتركيز عليه، هو مفتاح الإنتاجية الحقيقية، حيث إن تحقيق التوازن بين النشاط والإنتاجية يتطلب جهداً متعمداً، يتضمن التقييم الدائم لأهمية كل مهمة، وتنسيق الأنشطة مع الأهداف الرئيسة.

Garad@alaagarad.com

Alaa_Garad@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر