التعايش مع عالم مضطرب

د. كمال عبدالملك

في عالم مليء بالصراعات والحروب الدامية، تظهر فلسفة الرواقية (Stoicism) كنجمة متلألئة تضيء طريق الباحثين عن المعنى والصمود والحكمة في الليل الدامس. الرواقية، بفلسفتها العميقة وشخصياتها الساطعة كأبيكتيتوس وماركوس أوريليوس، تشكّل خريطة طريق تدعونا إلى استكشاف سُبل تعايشنا مع تحديات ومتاهات الحياة.

ظهرت الرواقية كمسار في أروقة روما القديمة في القرن الثالث قبل الميلاد، وتعتمد على روح الفضيلة وعقلانية الذات وسيطرة النفس، فالرواقية ترشدنا إلى قبول ما ليس في مقدورنا التحكم فيه والتركيز على بناء الذات وتقوية نوازع الخير.

يؤكد إبيكتيتوس، فيلسوف الرواقية البارز، أن مآسي الحياة في حد ذاتها ليست مصدر أوجاعنا بل ما يسبب الأوجاع هو طريقة تصورنا لهذه المآسي. ومن خلال توجيه مخيلتنا وتنظيم أفكارنا، يمكننا الإبقاء على توازننا وسكينتنا أمام عواصف الزمن وسوء المنقلب.

أما ماركوس أوريليوس، الإمبراطور الفيلسوف، فقد ترك أثراً كبيراً من خلال كتابه «التأملات». هذه التأملات كالعيون الباحثة في أعماق مياه الحكمة العميقة.

و تُعلمنا الرواقية أيضاً أنه يجب علينا أن ننظر إلى طبيعة العالم كمنظومة متناسقة وعقلانية، علينا أن نقبلها، لكن يمكننا أن ننمّي تحت سقفها فضيلة الحكمة وشجاعة التفكير وسمو الروح واعتدال الحكم على الأشياء. قوام حريتنا وسعادتنا هو أن نرضى بقسمة الزمان، فالحزن والسعادة في الذهن لا في الواقع.

يجب علينا أن نعيش في سياقنا وننسج أوتار السيطرة على أنانياتنا وأمانينا، فالرواقية تمنحنا تصميم نفوسنا كسفن تبحر في خضم المخاطر والأزمات. وبينما نحتسي فنجان قهوتنا في صفاء الفجر، دعونا نتذكر ما قاله فلاسفة الرواقية بأن الصعاب والتحديات هي كالزهور البرية التي تتفتح في ظل الشمس الحارقة.

ومع تصاعد الأزمات في عالمنا المضطرب، تظهر الرواقية كمصدر للنجاة والصمود لجميع الذين يختارون اتباع نجمتها الساطعة في سماء الفهم والتأمل.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر