الفتوى وتحديات الألفية الثالثة

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

عقدت الأمانة العامة لدور وهيئات الفتوى في العالم مؤتمرها الثامن بعنوان «الفتوى وتحديات الألفية الثالثة»، برئاسة مفتي جمهورية مصر العربية رئيس الأمانة؛ الأستاذ الدكتور شوقي علام، جاءت هذه الدورة على وقع الحرب الضروس التي تشنها إسرائيل في غزة، ففرضت نفسها على المؤتمر، وكان لها النصيب الأكبر من محاور البحث، ما جعلها أحد تحديات الألفية الثالثة التي اختلطت فيها المفاهيم، وضاعت فيها القيم والحقوق الإنسانية التي ينادي بها العالم المتحضر فيما يزعم، فأعادت الجاهلية الاستبدادية في عصر الحضارة المعاصرة.

أما تحديات الفتوى في هذه الألفية فهي كثيرة ومثيرة، فمنها الفضاء الرحب الذي يشهده العالم، فلا يضبطه ضابط، ولا يتحكم فيه متحكم، وكان لابد أن تكون الفتوى سباقة إلى هذا الفضاء بضوابط مؤصَّلة، تخرجها من الغوغائية التي يعيشها الناس في عصر السوشيال ميديا، ليأخذ الناس منها المفيد ويتركوا الزائف، وهذا يقتضي التخصص الدقيق في هذا الفضاء الإلكتروني ليُسخَّر بما ينفع الناس ويمنع عنهم ما يضرهم، وقد كان التركيز على هذا الجانب كبيراً من قبل الباحثين المشاركين، وذلك من خلال المحاور المعدة للبحث، وهي، الأول: «تحديات الألفية الثالثة تحديد المناطات وبناء طرائق المواجهة»، والثاني يدور حول: «الفتوى والتحديات الفكرية والأخلاقية»، والثالث يناقش: «الفتوى والتحديات الاقتصادية وتحديات الفضاء الإلكتروني».

وكانت دار الإفتاء المصرية قد سبقت العالم في برامجها الإفتائية بمنصاتها الإلكترونية العشرين، فضلاً عن 20 مشروعاً تعمل عليه لخدمة الإفتاء في العالم وتصحيح الفكر المنحرف، وتقديم أيسر السُّبُل للمسلمين لأخذ الفتوى الصحيحة المؤصَّلة، المحقِّقة لمبادئ الشريعة ومقاصدها العظيمة، ومنها المعلمة المصرية التي بلغ تعدادها 90 مجلداً، وزعتها الأمانة على ضيوفها بواسطة برامج ممغنطة، ومنها إطلاق بوابة Fatwa.org.

فضلاً عن العديد من المشروعات القيمة التي تخدم المسلمين في بيان الأحكام الشرعية التي تهمهم في أمور دينهم ودنياهم.

ومثل هذه الجهود المشكورة ينبغي أن تكون محل ثقة العالم، وعلى دُور وهيئات الإفتاء في العالم أن يكون لهم مثل هذا الاهتمام التخصصي النافع.

إن الإفتاء شأنه عظيم وخطره جسيم، فهو توقيع عن رب العالمين، تولاَّه الله تعالى بنفسه، وأوحى به لنبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام، وهو صلى الله عليه وسلم عهد به لورثته وهم العلماء الرَّبَّانيون الرِّبِّيُّون، وقال: «بلغوا عني ولو آية، فَرُبَّ مبلَّغ أوعى من سامع»، فمن لم يكن متأهلاً فيه لم يجز له الخوض فيه، فإن «من أفتى بغير علم لعنته الملائكة»، كما أخرجه الخطيب في الفقيه والمتفقه عن علي رضي الله عنه مرفوعاً.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر