ثيمة العمى في الأدب

د. كمال عبدالملك

نرى العمى، سواء كان عضوياً أو استعارياً، موضوعاً متكرراً في الأدب عبر الثقافات واللغات. يكشف هذا الاستعراض الأدبي تصوير العمى في الأدب العربي والإنجليزي والفرنسي، حيث يُظهر كيفية استخدام الكتّاب هذا الموضوع لنقل رسائل ورؤى عميقة.

في «الأيام»، يتحدث طه حسين عن حياته وتجربته الشخصية كطفل ضرير انتقل من ظلام العمى إلى نور المعرفة، بل أصبح وزيراً للمعارف، وهي لوحة تسلّط الضوء على تحديات العمى وكيف يمكن بالعلم والمثابرة التغلب على إعاقات الجسد وما يصاحبها من آلام نفسية.

وفي الأدب الإنجليزي، نظم جون ميلتون قصيدته «الفردوس المفقود» عندما فقد بصره وصوّر شمشون، المحارب الجبار، على أنه أعمى وأسير للفلسطينيين (بلا عين في غزة يدير الطاحونة مع العبيد). ومع ذلك، يتغلب شمشون على الشفقة على الذات واليأس، ويستعيد قوته القديمة، مؤكداً أن البصر يمكن العثور عليه داخل الإنسان، حتى في الظلام الجسدي.

وفي مسرحية «الملك لير» لشكسبير، يستكشف الملك لير، الشخصية الرئيسة، مفهوم العمى الأخلاقي المتمثل في غطرسته وكبريائه المفرط. ما يجعله يفقد ابنته كورديليا (التي تحبه حقاً) ويتبرأ منها ويفقد كينت، خادمه الأكثر إخلاصاً.

وفي الأدب الفرنسي يُقدّم فيكتور هوجو في رائعته، «البؤساء»، المفتش جافير كمثل أعلى للعدالة والالتزام الصارم بالقانون، لا يتزعزع في اعتقاده بأن الرجال لا يستطيعون التغيير نحو الأفضل؛ فاللص يبقى لصاً إلى الأبد. وفي لحظة مؤثرة في الرواية يدرك مدى عماه الأخلاقي، ولكن بعد فوات الأوان.

وتصوّر رواية «الوباء» لألبير كامو، كيف يصبح تفشي وباء الطاعون في مدينة وهران الجزائرية استعارة عن العمى المجتمعي. في البداية، يكون سكان المدينة عمياناً تجاه معاناة الآخرين، ولكن مع تفشي الوباء، يبدأون في رؤية الواقع القاسي. يستخدم كامو العمى كرمز للجهل الجمعي واللامبالاة.

تحليل مقارن: يوجه الأدب العربي من خلال «الأيام»، رسالة قوية عن الإصرار والتفاؤل على الرغم من الإعاقة الجسدية والتحديات الشخصية. هذا الكتاب يشير إلى أهمية البصيرة والمعرفة في تحقيق النجاح والتحوّل، حيث يجسد حياة الكاتب كمثال يلهم القراء.

والأدب الإنجليزي والفرنسي على حد سواء يستخدمان العمى كرمز غني لأشكال مختلفة من التشوهات والإعاقات، سواء كانت جسدية أو أخلاقية. ولكن بينما يركز الأدب الإنجليزي في كثير من الأحيان على الإنارة الروحية الفردية والنمو الشخصي، نجد الأدب الفرنسي يميل إلى التركيز على العمى المجتمعي ونتائجه الوخيمة على الجميع.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر