ليست الثقافة كتباً فقط   

د. بروين حبيب

دخلت صرح الإعلام من بوابة الثقافة، فقد عرفني الجمهور الخليجي في البداية ثم الجمهور العربي لاحقاً من خلال البرامج الثقافية، إذ كانت الانطلاقة من تلفزيون البحرين وما تلاها بعد ذلك من نقلة كبيرة إلى تلفزيون دبي قبل عقدين من الزمن، أعددت خلالها وقدمت برامج متنوعة من «صواري» إلى «وجوه»، لتكتمل التجربة مع برنامج «نلتقي مع بروين».

وكنت سعيدة بأمرين: أولهما إقبال الجمهور على البرامج الثقافية التي قدمتها، وثانيهما نوعية النجوم الذين كانوا ضيوفي، ممن تركوا بصمات في الثقافة والفن. ورغم أن البرنامج بدأ نخبوياً ثقافياً بامتياز فإنه استطاع أن يجذب المشاهد العادي لطبيعة ضيوفه ذوي الشعبية، ولأني اجتهدت أن أنزله من البرج العاجي بمفاهيمه المجردة ليقترب من الناس بآلامهم وآمالهم.

والحقيقة التي لا أنكرها أنني دائماً كنت راغبة في تقديم برنامج منوّع اجتماعي إنساني مثل برامج الـ«توك شو» التي تألقت فيها أوبرا وينفري، من دون أن يغفل الثقافة تماماً، وهذا ما حاولت فعله في برنامجي «حلو الكلام» الذي لم يعمر طويلاً، ثم عدت بعده إلى «نلتقى مع بروين»، وبرنامج آخر اسمه «أهل المعرفة» لتكون المحصلة أنني استضفت قرابة 1000 كاتب وباحث وفنان تشكيلي ومترجم من أجيال مختلفة ومن مدارس فنية متباعدة.

وكان تغير العالم في فترة وباء «كورونا» فرصة لي لمراجعة مسيرتي الإعلامية وأنا المخضرمة المعاصرة لجيلين: جيل الإعلام التقليدي بالتزامه وخبرته وصرامته، وجيل الإعلام الجديد، إعلام وسائل التواصل الاجتماعي باندفاعه وهوسه بالتجريب وعفويته. ورأيت كيف يسحب الإعلام الجديد البساط بقوة وعزيمة من تحت أقدام الإعلام التقليدي، وكيف أن الكلمة والمقدمة الطويلة والحوار الكلاسيكي انهزمت أمام الصورة والإيقاع السريع، فبيد المشاهد - الذي تعوّد على التعاقب السريع للفيديوهات كما في «تيك توك» و«إنستغرام» - ما يشبه المسدس يطلق به النار على البرنامج الذي يستثقله فيرديه قتيلاً، وأقصد بذلك جهاز التحكم عن بعد.

وأصبحت الآن مقتنعة بأن أي برنامج ثقافي خالص حتى لو حاور حائز «نوبل» بالطريقة الكلاسيكية، لن يفلح في أن يصبح «ترند» إن لم يعتمد على الصورة أساساً وعلى الإيقاع السريع، ولعل هذا من أسباب انقراض البرامج الثقافية الغربية التي كانت تصنع ذائقة القارئ، لذلك خوفاً على اختفاء الثقافة من شاشاتنا علينا أن نفكر وبسرعة خارج الصندوق لنلبسها ألواناً زاهية، فهي ليست دائماً كتاباً بأوراق صفراء وحبر أسود.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر