لأجل عيون «الترند»

د. بروين حبيب

غارت لفظة «ترند» من معناها فأصبحتْ في الأيام الماضية هي بدورها «ترنداً» (هكذا منصوبة منوّنة لأنّها غدت كلمة عربية بعد أن أجازها مجمع اللغة العربية في القاهرة) تداول الخبرَ روّاد وسائل التواصل وتناقلوه، ولكن لم يدم ذلك طويلاً فقد تنازل هذا الخبر عن عرشه لصالح ترند أقوى، فتذكرت الحكمة القائلة: «لو دامت لغيرك ما وصلت إليك»، وقد كان رئيس الوزراء اللبناني الراحل الشهيد رفيق الحريري نقشها على جدران القصر الحكومي حتى تذكّره أن لا شيء يبقى على حاله.

ولكن أن يصبح الإنسان مشهوراً ولو ليوم واحد تتحدث عنه وسائل الإعلام وتنقل خبره القنوات التلفزيونية ويلتهب «إنستغرام» و«تويتر» بذكره صار مُنية المتمني وحلم غواة الشهرة وهواتها، ولا مشكلة في أن يُذكر بالقدح لا بالمدح وبالسخرية لا التقدير. كذلك الأعرابي الذي يُروى أنه تبوّل في ماء زمزم فضربوه حتى كاد أن يهلك، وحين سأله الأمير عن سبب فعلته، قال: أردت أن أُذكر ولو باللعن!

وأصبحت منصات التواصل القطارَ السريعَ الموصل إلى الشهرة، أيِّ شهرة كانت ولو بهز الكروش المترهلة، والتعرّي الوقح، والمقالب التي تُبكي عوضاً من أن تُضحك. وكمثال على زمن التفاهة الذي نعيشه غطّى خبر إعلامية غابت عن ندوة دُعيتْ لها وما أعقب ذلك من سجال على انتخاب أمين معلوف العربي الأصل اللبناني أميناً عاماً مدى الحياة للأكاديمية الفرنسية، وهي أعلى هيئة وأقدمها تهتم بتقعيد وتطوير اللغة الفرنسية. فهل ضلّ «الترند» طريقه مثلاً؟!

والمؤسف أن بعض القنوات التلفزيونية أصبحت تفرد في برامجها الإخبارية فقرة بعنوان «ترند» لعرض الحدث الأكثر تداولاً، مُساهمةً بذلك في تكريس التفاهة مقابل زيادة مشاهديها هي الأخرى. بغضّ النظر أنّها تدخل بيوت الناس بلا استئذان، وتفرض على الأسرة كبيرها وصغيرها أن تشاهد ما لا يليق بداعي أنه مشهور ومنتشر.

كلمة واحدة فقط الآن قادرة على أن تحوّل قائلها من شخص مغمور إلى إنسان مشهور، يستضيفه الإعلام ويغزو وسائل التواصل ويغدو «ترند» ليوم أو أسبوع أو أكثر من ذلك حسب ما يفتح به الله عليه. مع ملاحظة أنه لا العالِم الذي أفنى عمره بحثاً، ولا الأديب الذي أطفأ نور عيونه على الورق هو من يحقّق ذلك، بل هذا الحظ من الشهرة حقٌّ حصري للأكثر سخافة والأثقل دماً والأفحش كلاماً. وهناك من هو مستعد لأجل لحظة المجد هذه أن يبصق على الأدب، ويطأ برجله على الأخلاق، ويستفزّ المشاهد ويشتمه الناس، فالمهم أن يصبح على كلّ لسان ويدخل جنّة «الترند» الموعودة. فكرمى لعين الشّهرة كلّ شيء يهون.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر