معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

من واجب المؤمن أن يعرف رسول الله، صلى الله عليه وسلم، معرفةً كاملة؛ فيعرف اسمه ونسبه وولادته ونشأته وقبيلته وبعثته ودعوته وهجرته وجهاده وسِلمه ووفاته، كما يعرف عبادته ومعاملاته وأخلاقه، وكل ما يتعلق بحياته الذاتية والدعوية والأُسرية والاجتماعية؛ حتى يعلمَ عظيم مكانته، عليه الصلاة والسلام، عند ربه، وما يجب عليه نحوه من عظيم المحبة وكمال الاتباع، وكلُّ ذلك لا يتأتى إلا بقراءة سيرته التي نقلها الصحابة، رضي الله تعالى عنهم، إلى التابعين، والتابعون إلى من بعدهم، وتسلسل نقلها حتى وصلت إلينا روايةً وتدويناً، فإن المحبة الواجبة للنبي، عليه الصلاة والسلام، المناط بها الإيمان لقوله، صلى الله عليه وسلم: «فوالذي نفسي بيده، لا يؤمن أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من والده وولده» لا تتحقق بالتقليد المجرد، بل بالمعرفة الذاتية التي يستفيدها المسلم من قراءة كتب السيرة والشمائل، أو يسمعها من العالم بها، العارف بتفاصيلها ودقائقها، فإن لم تكن لديه هذه المعرفة لا يتحقق بالمحبة القلبية التي دل عليها الحديث الشريف، ولا بالاتباع الكامل؛ لأن الاتباع والتأسي يقتضيان معرفة حال المتبوع في كل شيء، إلا ما كان من خصائصه الذاتية.

فلذا كان حتماً على كل مؤمن أن يتحلَّى بالمعرفة التي تولِّد المحبة، والتوقير والتعزيز اللذين جعلهما الله تعالى حقاً للنبي، صلى الله عليه وسلم، على أمته، كما قال سبحانه: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا* لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ}، فقرن بين الإيمان به وتوقير نبيه، للدلالة على أن ذلك من لوازم الإيمان بالله تعالى.

وهذه المعرفة المطلوبة يتعين أن تُنَشَّأ عليها الناشئة حتى تُغرس في أفئدتهم، وتربو في قلوبهم، فكلما ازدادوا معرفة ازدادوا له حباً وتعظيماً واقتداء واتباعاً وتأسياً، وكذلك في قلوب الكبار فإنهم أجدر بذلك من الناشئة؛ لأنهم المكلَّفون، ولا تنمو هذه المعرفة إلا بتدارس سيرته وشمائله، عليه الصلاة والسلام، في كل وقت، فإن المُحب لا يمل من ذكر محبوبه، ولا يستكثر التكرار، بل كلما قرأ وسمع قويت محبته وتمكنت المعرفة من فؤاده.

وإذا كان ذكر المحبوب لا يُمل وهو من باب المباح، فكيف إذا كان ذكر المحبوب من أجلِّ العبادات والقُرب لله تعالى، فإنه امتثال لأمر الله تعالى بالصلاة والسلام على رسوله، وهو استدرار لرحمات الله تعالى، فإن من صلى على رسول الله صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشراً، والصلاة من الله تعالى هي رحمته، فصلِّ اللهم وسلم على نبيك سيدنا محمد.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر