«نلتقي»

قتلتني مرّتين

د. بروين حبيب

«3000 قتيل ولاتزال عمليات البحث والإنقاذ جارية هي حصيلة زلزال المغرب.. 11 ألف قتيل و20 ألف مفقود هي نتيجة فيضانات ليبيا».. كم هي باردة هذه الأرقام التي يقدّمها لنا بعض الإعلام بلغة محايدة وكأنه يعلن نتائج الدوري الإنجليزي. كتبتُ مرةً يوم الزلزال الذي ضرب تركيا وسورية قبل أشهر قائلة إن الضحايا ليسوا مجرد أرقام ولكنهم (نحن) في مكان آخر. لستُ ضد تقديم المعلومات والإحصاءات والأرقام، بل هي ضرورية جدّاً، فمن مبادئ «إعلام الكوارث» توفير المعلومات الصحيحة والدقيقة من مصادرها الرسمية والمختصّة، ولكن لسنا - حين نتلقى الخبر - في درس إحصاء أو تاريخ، بل هؤلاء المنكوبون هم بشر مثلنا، فما بالكم إن كانت تجمعنا بهم قواسم مشتركة عديدة ليس أقلها الدين واللغة.

حبذا لو تتغير تسمية إعلام الكوارث إلى «الإعلام الإنساني» ويدرّس في كليات الإعلام والصحافة، ويكون فاعلاً وحاثّاً على الفعل عند حصول الزلازل والفيضانات والحروب، فلديه الكثير ليقدمه من نشر إرشادات السلامة والأمان، وتوصيل نداءات الاستغاثة ودفع المتفرج للتحرك بما يستطيع مشاركة أو تبرعاً أو تعاطفاً قلبيّاً، وذلك أضعف الإيمان، فمن المعيب أن تتحول كارثة إنسانية كبيرة مثل زلزال المغرب أو فيضانات ليبيا إلى مادة للتجاذب وتسجيل النقاط وتوزيع الاتهامات والتحامل، ولايزال مفقودون تحت الأنقاض أو وسط المياه، فيظهر لنا الوجه المخيف لإعلام همّه زيادة متابعيه وخدمة أجنداته دون أيّ اعتبار لمن ماتوا أو فقَدوا أحبة لهم وأرزاقاً استنزفت أعمارهم.

وما يقال عن الإعلام التقليدي يقال مثله وأكثر عن الإعلام الجديد الذي يقوده المؤثرون؛ فبعضهم اعتبر كارثة الزلزال أو الإعصار فرصة لا تعوّض لزيادة المتابعين وحصد الإعجابات وتحقيق انتشار واسع لحساباتهم، فما معنى أن يتصور هذا المؤثر أو تلك المؤثرة مع أطفال فقدوا أهلهم وهم يتصدّقون عليهم بالفُتات في منظر مهين مجرّد من الإنسانية؟!

لا حاجة لهؤلاء الضحايا بمساعداتكم المغمسة بالذل فكرامتهم أغلى، هذا دون التطرق إلى الجانب الأخلاقي وحتى القانوني في الموضوع، فبأي حقّ يَسمح المؤثر لنفسه بعرض صور الآخرين أيّاً كانوا في أقسى لحظات ضعفهم دون استئذانهم وموافقتهم، لذلك لا عجب أن نشهد استنكاراً في المغرب وحملة لإيقاف هذه الممارسات التي تحكمها الأنانية ومن خلفها الجشع للمال وللشهرة.

نحن الآن أحوج ما نكون إلى ضخّ دماء الإنسانية في جسد الإعلام سواء أكان تقليديّاً أو ابن وسائل التواصل الاجتماعي، حتى لا يصرخ الضحايا في وجه هذا الإعلام اللامسؤول: «لقد قتلتمونا مرتين».

• ما معنى أن يتصور هذا المؤثر أو تلك المؤثرة مع أطفال فقدوا أهلهم وهم يتصدّقون عليهم بالفُتات في منظر مهين مجرّد من الإنسانية؟!   

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر