الآيات والنُّذُر

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

لا تزال آياتُ الله تعالى ونُذُرُه تتوالى يخوف الله تعالى بها عباده، ويذكرهم بالحاقَّة والقارعة، يوم تُبس الجبال بسّاً فتكون هباءً مُنبثاً، يوم تُزلزل الأرض زِلزالها، وتُخرج الأرض أثقالها، يوم يُنفخ في الصور فتذهل كلُّ مرضعة عما أَرضعت وتضع كل ذات حمل حملها، يوم القيامة التي هي أقربُ إلينا من أي وقت مضى، فإذا كانت بعثة النبي عليه الصلاة والسلام من أشراط الساعة وعلاماتها، فإن هذه الزلازل والفيضانات المدمرة التي أصبحت تترى تنتقل من بلد لآخر، هي من أشراط الساعة التي تؤذن بانطواء هذه الحياة الدنيا (متاع الغرور).

إن زلزال المغرب الأقصى الذي جاء في لمحة بصر، ومن قبله زلزال تركيا وسورية، وأفنى الكثير ودمَّر الأكثر، ومن بعده بأيام قلائل فيضانات وأعاصير ليبيا واليونان التي محت مُدناً وقُرى كثيرة وأفنت الآلاف من البشر وغيرهم؛ لهي أكبر دليل على أن هذه الحياة تُطوى كطي السِّجل للكُتب، وستعود الحياة كما بدأها الله تعالى {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}، وذلك ما نبَّأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «لا تقوم الساعة حتى يُقبض العلم، وتكثر الزلازل، ويتقارب الزمان، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج - وهو القتل القتل - وحتى يكثر فيكم المال فيفيض»، فهذه العلامات أضحت ماثلةً لكل ذي عينين، لا تحتاج إلى تدليل أو تعليل.

فما هي الرسائل التي تصلنا من هذه الآيات والنذر المتوالية؟ لعل الكثير منا يدرك أنها رسائل إلهية للاستعداد لذلك اليوم الموعود، مضمونها الدعوة إلى العودة إليه سبحانه عن قُرب، قبل أن تبغتنا الساعة الموعودة، نعود إليه جل شأنه بصريح الإيمان وصحيحه، فلا نتجاهل قدرته العظيمة، ولا حقه في العبادة، ولا نحيد عن شرعه الذي شرعه وارتضاه لنا، ولا نتمادى في الظلم والطغيان على أنفسنا وغيرنا، فهذه الرسالة الأولى التي يجب أن تعيها أذُنٌ واعية.

أما الرسالة الثانية فهي عدم الاغترار بالدنيا وزُخرفها، فإنها مهما حلَت أوحَلت، ومهما علت دنت، ومهما صفت تكدَّرت، ومهما كثرت قلَّت، ولا يُدرى متى تكون هذه العكوس، فإنها تجري بمقادير الله كلمح البصر، وهو ما أشار إليه الحق جل شأنه بقوله: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ}، مثل واضح لواقع أوضح، نقرؤه ولا نتدبره، ونعرف دلائل ألفاظه ولا نتدبرها؛ لنسياننا ذلك اليوم الموعود، وها هو الحق جل شأنه يقرع الأسماع ويهز الضمائر بهذه النُّذر التي أوجدها في بعض خلقه كما يشاء وعلى من يشاء وفي الوقت الذي يشاء {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}، لأنه المالك فيتصرف في ملكه وملكوته كيف شاء، ولا يظلم ربك أحداً.

أما الرسالة الثالثة؛ فهي الإيمان باليوم الآخر الذي إليه ننقلب وفيه يُجزى كل امرئٍ بما كسب، ذلك اليوم الأبدي الذي لا نهاية له، والذي هو دار القرار، وهو دار النعيم أو دار البوار، هذا اليوم هو الذي ينبغي أن نتزود له بما يكون زاداً نافعاً، ونُعد له عدته بما أمر الله تعالى به من الصالحات، وترك المخالفات، هذا اليوم الذي لا ينفع فيه مال ولا بنون، إلا من أتى الله بقلب سليم خالٍ من الشرك والجحود، هذا اليوم الذي توفَّى فيه كل نفس ما كسبت، ولا تظلم نفس شيئاً.

هذه رسائل تحملها هذه الآيات والنذر التي يخوف الله تعالى بها عباده، فأين الخائفون؟ وأين المعتبرون؟ وأين الراجعون؟ وأين الأوابون؟!!

اللهم ردنا إليك مرداً جميلاً.

كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر