«نلتقي»

لن أقول وداعاً

د. بروين حبيب

وأخيراً أعادته جاذبية الأرض إلى ثراها، بعد تفلّتٍ من قيودها نحو نصف سنة كاملة. عاد رائد الفضاء الإماراتي سلطان النيادي إلى كوكبنا المليء بالكوارث والمآسي وليس آخرها الزلزال الذي ضرب المغرب البلد الحبيب إلى قلبي، لطف الله به وبأهله.

كانت رحلة «سلطان» التي أطلق عليها «طموح زايد 2» أطول مهمة فضائية يقوم بها رائد فضاء عربي، إذ قضى ستة أشهر في محطة الفضاء الدولية ليعود الأسبوع الماضي سالماً غانماً منجزاً ما أوكل إليه. وقد حقق سلطان النيادي في أبريل الماضي إنجازاً تاريخياً لدولته الإمارات، وللعرب بشكل عام، عندما أصبح أول عربي يشارك في مهمة نشاط خارج المركبة متمثلة بالسير في الفضاء، زيادة على الأبحاث العلمية الكثيرة التي شارك فيها وكانت من صميم برنامج الرحلة.

انتابني في رحلة رائد الفضاء الإماراتي شعوران متناقضان أحدهما مفرح لهذا الإنجاز الذي تحقق بأيدٍ عربية جعلت دولة الإمارات حاضرة وفاعلة في هذا المجال الذي يتوسل أرقى ما وصلت إليها التكنولوجيا، والذي كان ولايزال حصراً على مجموعة قليلة من دول العالم، فحضور العرب ممثلين بالإمارات نقلة نوعية تضعنا في قلب التاريخ لا على هامشه، تماماً كاليوم الذي حصل فيه أحمد زويل - رحمه الله - على جائزة نوبل، فلم يكن نجاحه مصرياً فقط بل عربياً بامتياز.

أما الشعور الآخر فمؤلم حين تقرأ لمن يُهوِّن من قيمة هذا الإنجاز ويبخسه حقه حسداً أو لحسابات سياسية ضيقة، وحبذا لو عمل بالنصيحة القائلة: «قل خيراً أو اصمت»، فإغفال ما قام به سلطان النيادي وخلف الصورة دولة الإمارات يدل على ضيق أفق ونظرة قاصرة آنية، لأن هذه الرحلة هي في حقيقتها خطوة من مسيرة الإنسانية في تقدمها، وكم هو رائع أن يكون للعرب مساهمة فيها سواء كان رائد الفضاء المشارك من هذه الدولة أو تلك، فنحن كما قال أحمد شوقي يوماً: «كلنا في الهمّ شرق».

أنا واثقة بأن هذه الخطوة ليست سوى بداية ناجحة تعقبها خطوات أكثر وأكبر، ليتنا نضيء عليها ونقدمها للأجيال الناشئة عوض أن يكون قدوتهم أبطال «الترندات» السخيفة من هزازي الكروش وراقصي «تيك توك»، ومازلنا بانتظار رحلات أخرى تستكشف هذا الكون الهائل المحيط بنا، ألم يعدنا «سلطان» بذلك في آخر تغريداته حين قال: «لن أقول وداعاً بل إلى اللقاء في مهمة جديدة أو في وجهة أبعد.. وأحمد الله على نعمة الإمارات التي حولت أحلامنا إلى نجاحات».

• ليتنا نضيء على هذه الخطوة ونقدمها للأجيال الناشئة عوض أن يكون قدوتهم أبطال «الترندات» السخيفة من هزازي الكروش وراقصي «تيك توك».

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر