«نلتقي»

الذي رأى كلّ شيء

د. بروين حبيب

مؤلم أن يرحل شخص ارتبطتَ معه بصداقة بنيت على قواسم مشتركة كثيرة، ومؤلم أكثر أن تُحس أن خيط الإبداع انقطع من شاعر وهو في عز اكتماله. تعود بي الذاكرة إلى مقابلات تلفزيونية جميلة ولقاءات شخصية أجمل مع من أعده شريكي في العشق النزاري والسهل الممتنع. ولعل هذا كان سبب انتشار ونجاح الحوار الثنائي الذي جمعني يوماً مع كريم العراقي على غلاف مجلة «زهرة الخليج».

استضفته في برامجي المختلفة ثلاث مرات، وكان في كل استضافة متجدداً متقناً للعبة التلفزيونية قادراً على صياغة «الجملة/الترند» فالكلمة لعبته الأثيرة. يتحسس نبض الجمهور ويجيد التعبير عنه فسعى كبار الفنانين إلى تزيين أصواتهم بأغنياته من شيوخ المَغْنى العراقي كفؤاد سالم ورياض الخياط وسعدون جابر إلى نجوم الفن الكبار كأصالة وصابر وماجد المهندس.

أما توأمته مع كاظم الساهر فمن أنجح الثنائيات التي أمتعت أسماعنا بأكثر من 70 أغنية ما بين عاميّ وفصيح كونت جزءاً ناصعاً من ذاكرتنا السمعية. وكما لكاظم فضل في إيصال كلمة كريم إلى ملايين المستمعين؛ فلجمال الصياغة التي تميز بها كريم العراقي فضل لا يقل عن ذلك في إيصال صوت كاظم إلى النجومية، بل أرى أن قصائد كريم الفصيحة التي غناها الساهر كانت معبراً آمناً له إلى مرحلة تعاونه مع نزار قباني في ما بعد. فأبو ضفاف يعتبر المعادل الموضوعي لنزار قباني بقصائده العامية، مع الإشارة إلى تعدد مواهبه الإبداعية من كتابة للمقال والمسرحية والأوبريت والشعر والأغنية عامية وفصيحة.

هذا عن كريم العراقي المبدع، أما كريم الإنسان المحبّ المحبوب فقد رزق القبول من الناس بمختلف أطيافهم لطبيعته الكريمة المسالمة المستوعبة للآخر، وكم من مرة أتصل به لأطمئن على وضعه الصحي فيدير دفة الحديث بلباقة إليّ سائلاً عن مشاريعي الثقافية داعماً لي متابعاً ومشجعاً، فأتعجب من قدرته على العطاء وحبه للحياة. ورغم تقلبه في مغتربات عديدة بعيداً عن وطنه من تونس إلى أوروبا إلى الإمارات فقد حمل بلده العراق في قلبه وشعره بل ارتبط اسماهما معاً.

بقي يكتب إلى آخر أيام حياته ويقاتل مرارة السرطان بحلاوة الكلمة، فرغم 90 جرعة كيماوي و25 عملية أنهى ديواناً من 55 قصيدة عنونه بـ«على سرير الأمل»، كما أنهى سيناريو الجزء الأول لفيلم «أنا ابن كلكاميش» فقد كان التجسيد المعاصر لذلك البطل الأسطوري العراقي، ألم يقل مثله في إحدى قصائده الأخيرة؟ «نعم، أنا الذي رأيت كل شيء».

• رغم تقلبه في مغتربات عديدة بعيداً عن وطنه من تونس إلى أوروبا إلى الإمارات، فقد حمل بلده العراق في قلبه وشعره بل ارتبط اسماهما معاً.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر