يوميات في العمل الخيري (20)

جريان الأجر

الدكتور هشام الزهراني

يستهلك الفرد منا كميات من المياه كل يوم، خصوصاً في فصل الصيف، فالحاجة إليها لا تنقطع ولا تتوقف صيفاً وشتاء، ليلاً ونهاراً، وإلا تعب الجسد، وأثرت فيه الأمراض، ولم يعد يشعر كثير منا بخطورة نقص المياه، وأثر ذلك في الأفراد لتوافرها الدائم.

والشريعة جاءت تأمرنا بأمرين تجاه المياه، فالأول التأكيد على المحافظة على المياه والاقتصاد في استعمالها، وعدم الإسراف فيها، فكان النبي، صلى الله عليه وسلم، يتوضأ من مُدٍّ ويغتسل من صاع، وذلك لأهمية المياه في المجتمعات.

والثاني: جعل مشاريع المياه من أعظم الصدقات الجارية، المتمثلة في حفر الآبار، وسقي المياه، وفي الحديث: «سبع يجري للعبد أجرهن، وهو في قبره بعد موته.. كرى نهراً أو حفر بئراً... إلخ». فذكر، عليه الصلاة والسلام، أمرين يتعلقان بالمياه من الأمور السبعة، وفي هذا بيان أهمية هذه المشاريع، وفي حديث آخر صححه بعض المحدثين، قال «أفضل الصدقة سقي الماء».

وهذا كله يحثنا إلى الاقتصاد في استعمال المياه، وأن نقدمه لمن يحتاج إليه، وهذا ظاهر فشُحّ المياه، وقلتها سبب للوفيات، فمن لا يجد المياه النظيفة يضطر إلى أن يغرف من المياه الملوثة، ويعقب ذلك الأوبئة التي تفتك بالأفراد، أو لا يجد ما يغسل به يديه، فتبقى الجراثيم عالقة على يديه وبدنه فيعرضها للخطر المميت.

إذاً، مشاريع المياه ليست مقتصرة على إرواء الظمآن فحسب، بل تمنع، بإذن الله، من انتشار الأمراض كذلك، وتقليل الوفيات، إلى غيرها من الإيجابيات الكثيرة.

وهنا أذكر نماذج تنفيذ مشاريع السقيا:

أبرزها حفر الآبار، وهي أشهرها وأعظمها نفعاً، وكلما كانت البئر ارتوازية؛ كان النفع أعم والفائدة أكبر، ولا يعني ذلك أن يتوقف الأمر عند الآبار فحسب، فمن المشاريع الأخرى توفير صهاريج المياه المتنقلة بين القرى ومساكن الفقراء والمحتاجين، وهذا كثير خارج الدولة.

ومشروع إنشاء شبكة تمديدات المياه وربطها بالآبار يعين الأسر الفقيرة على الحصول على المياه بيسر وسهولة.

وفي داخل الدولة مشروع توزيع مياه الشرب على العمال، وفي الطرقات، ووضعها في المساجد، أو توفير برادات المياه لمن أحب أن يقدم داخل الدولة، فكلها مشاريع خيرية يمكن المشاركة فيها عبر الجمعيات الخيرية داخل الدولة.

(لحظة تأمل، إذا توجه المحسنون في حفر الآبار إلى دول قليلة الكلفة، فمن يوفر المياه للمحتاجين في الدول الأخرى؟!).

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر