الصدقة تدفع البلاء

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

سُمِّيت الصدقةُ صدقةً؛ لأنها تعبر عن صدق صاحبها في العطاء ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة، وهي تقع في يد المحتاج الذي ينتفع بها، وتفرحه وتخفف شيئاً من آلامه إن لم تذهبها كلها، ولذلك يتقبلها الله تعالى، وينمِّي أجرها لصاحبها حتى تكون أمثال الجبال، وقد سمّاها الله تعالى قرضاً، وطالما استقرضها الغني الحميد من عباده الفقراء، كما في قوله جلّ شأنه: {إِنْ تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ}، وهي تختلف عن الهديَّة التي يقصد بها المجاملة، وتكون لغني وفقير وصديق وعدو.

هذه الصدقة التي حث الشارع الحكيم عليها ورغّب فيها، هي في الحقيقة مال نامٍ للمتصدق؛ لأن الله تعالى وعد المتصدق في الدنيا بالإخلاف، وفي الآخرة بالأجر العظيم، وفوق ذلك كله هي حرز واقٍ من الشرور والآفات، كما ورد عن أنس، رضي الله تعالى عنه، قوله: «باكروا بالصدقة؛ فإن البلاء لا يتخطى الصدقة»، أي لا يصل إلى المتصدق، ومثل هذا وإن كان موقوفاً على الصحابي، إلا أن له حكم الرفع، حيث لا مجال للرأي فيه، ويشهد له حديث «داووا مرضاكم بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وأعدوا للبلاء الدعاء»، فالصدقة إذاً هي وقاية من الشرور والآفات؛ لأن الشرور والآفات هي من أقدار الله تعالى، وإذا قدم العبد بين يدي الله تعالى صدقة، دفع عنه السوء، وحماه من الشر، فلو لم يكن من الصدقة إلا هذا الخير لكان كافياً، فكيف بأجر عظيم، وإخلاف في الدنيا، «فما نقصت صدقة من مال».

وحتى لا تتثاقلها نفوس العباد التي جُبلت على الشحّ وحب العاجلة؛ فإن الشارع أرادها منهم ولو قليلاً، حتى لا يكون لأحد عذر في تركها إن أراد نفع نفسه والتقرب لربه، ففي الحديث «اتقوا النار ولو بشق تمرة»، فماذا تغني شق التمرة من الجوع، أو تسد حاجة الفقير؟! ولكن إن لم يكن لدى الإنسان إلا ذاك فلا يستقله، كما قال، عليه الصلاة والسلام: «يا نساء المسلمات، لا تحقرنَّ جارة لجارتها، ولو فِرسن شاة»، لأن الشارع يريد تربية النفوس على العطاء والبذل، فإن تعود على القليل جاد بالكثير.

ذلك لأن الإسلام يدعو إلى التكافل فيحمل الغني الفقير، والمقتدر العاجز، ويكون المال دُولة بين الناس، فذلك من شعب الإيمان وأخلاقه الكريمة، إذ «ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعان وجاره جائع إلى جنبه»، ولأن الغنى والفقر دُولة بين الناس، فلربما يصبح الغني فقيراً والفقير غنياً، وكما قال أبوالعتاهية:

فما يدري الفقيرُ متى غناه * وما يدري الغني متى يعيلُ

فإذا جاد الغني بشيء من ماله لأخيه الفقير؛ فإن الله تعالى يهيئ له من يكرمه عند فقره، كما قال الحطيئة:

من يفعل الخيرَ لا يعدم جوازيه * لا يذهب العُرف بين الله والناسِ

فالمال مال الله، والخلق خلق الله، وقد قال الله، جلّ ذكره: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ}، لذلك كله ينبغي لكل إنسان أن يكون مبادراً بالصدقات، بحيث لا يخلو يوم إلا ويكون له يد يكسبها عند الله أولاً، ثم عند الفقير، الذي لا يعدمه دعوة صالحة، أو ثناء حسن، وكذلك ينبغي أن يبادر بها الإنسان وهو في صحته وعافيته، فتلك أفضل الصدقات، فقد جاء رجل إلى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، أي الصدقة أعظم أجراً؟ قال: «أن تصدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم، قلت لفلان كذا، ولفلان كذا وقد كان لفلان»، فبادروا بالصدقات فإن «كل إنسان في ظل صدقته يوم القيامة».

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر