الدعم الفني (3)

فيصل محمد الشمري

ما أعلن، أخيراً، عن موافقة العملاق التقني، شركة «أبل» الأميركية، عن دفع تعويضات تراوح بين 310 ملايين و500 مليون دولار، لما يقارب الثلاثة ملايين مستخدم لأجهزة «آي فون» التي صنعت قبل عام 2018، وذلك في تصريح لفريق محامي الدفاع عن مصلحة المتعاملين، يأتي كاعتراف صريح من الشركة بأن «التباطؤ» الذي تزايدت شكاوى المتعاملين منه لشركة «أبل» في عام 2020، وسميت هذه المسألة بـ«فضيحة البطارية» batterygate، لن يتعدى تعويضات مالية محددة، دون أي اتفاق ملزم بمنع هذه الممارسات أو وقفها.

هل يعني ذلك أن الشركات العملاقة ستتوقف عن عملياتها الاحتكارية وسلوكاتها غير القانونية؟

‏بالطبع لا، فما حدث لا يعدو أن يكون دفع غرامة بسيطة دون أي تبعات قانونية ملزمة تمنع الشركة وقيادتها من ممارسة السلوك ذاته مستقبلاً، حيث إن قيمة التعويض لا تقارن بقيمة المبيعات.

إذن، ما الحل؟ هل يكون بمقاطعة منتجات الشركة؟ أو البحث عن منتجات بديلة، أو الاكتفاء بالدعاء أن تتوقف قيادات هذه الشركة وغيرها عن مثل هذه السلوكات مستقبلاً؟!

‏قالت العرب: «مَن أمن العقوبة أساء الأدب»، ولنا في الممارسات القانونية الغربية عظة وعبرة، فحين نرغب في الحصول على أسعار نفط عادلة، إما تباكوا بأننا سببنا تباطؤاً اقتصادياً عالمياً، أو أطلقوا «ضريبة كربون» لا تنظر للفحم على أنه ملوث، أو تغض النظر عنه جهاراً نهاراً، إن كان منشأه بلدانهم، وكأن خواصه الفيزيائية تتغير كونه غربي المصدر!

ناهيك عمّا نراه اليوم من استغلال مسيء لتقنيات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، ومن أشنعها على المستوى الفردي، ما هو مقرون بالابتزاز بنشر صور فاضحة تم إنتاجها وتركيبها باستخدام تطبيقات الذكاء الاصطناعي، وهو الأمر الذي رسّخ مخاوف مشروعة من مخاطر هذه التقنيات، ومحدودية أثر أو انعدام الضوابط الأخلاقية اللازمة، وضعف إجراءات حوكمة ممارسات وتطبيقات استخدام هذه التقنيات.

ومع تزايد مخاطر هذه التقنيات، يجب النظر في وضع دليل إرشادي ملزم على أي مطور أو مستخدم، لتمكين تحديد هويته الرقمية وربطها بهويته الفعلية، ليتحمل تبعات إساءة استخدام هذه التقنية، والأضرار المادية والمعنوية، وحتى الوجودية للضحايا.

كما يجب تطوير مستويات الشراكة مع المؤسسات الدولية الأكاديمية والعلمية الحقوقية مثل منظمة (SWGFL) المتخصصة بالدفاع عن حقوق الأفراد عبر الإنترنت، والتي تعمل على حذف الصور المفبركة من مواقع الإنترنت، حيث نأمل أن يتزامن ذلك بتوعية عامة، وتطوير خدمات الإبلاغ لملاحقة ضعاف النفوس الذين سوّلت لهم أنفسهم إساءة استخدام التقنيات المتقدمة لأغراض الابتزاز الجنسي أو المالي.

‏إن الدعم الفني اليوم أصبح بأهمية الدعم الطبي والاجتماعي والمؤسسي والقانوني وحتى الأمني، ومع تطور مكانتنا بين الأمم كنبراس للحضارة والتطور، ونموذج للتسامح، فإنه يدفعنا إلى التطلع لتحول مفاهيم الدعم الفني، لتطرق أوجه الحياة كافة، بما يلبي احتياجات اليوم والمستقبل، ويعيد الأمور إلى نصابها، ويحافظ على استدامة التوازن بين التطور والإنسانية.

مستشار إداري وتحول رقمي وخبير تميز مؤسسي معتمد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر