التواصلُ والتكامل

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

التواصل والتكامل هو العنوان الأبرز لمؤتمر «التواصل مع إدارات الشؤون الدينية والإفتاء والمشْيخات في العالم وما في حكمها»، المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 13-14 أغسطس برعاية كريمة من لدن خادم الحرمين الشريفين، والذي اجتمع فيه عدد كبير من المُفتين ومسؤولي الشؤون الدينية في الدول الإسلامية، تنظيم وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد، وقد كان مؤتمراً حافلاً بضيوفه وموضوعاته، بديعاً في ضيافته وحسن ترتيبه، مثالياً في مكانه وزمانه، والأبدع من ذلك كله عنوانه المهم الكبير الذي يعني تواصل علماء الأمة الإسلامية من أجل أُمَّتهم ودينهم وقضاياهم المستجدة، وتكاملهم في تحقيق الأهداف المنشودة لهذه الأمة التي هي كالجسد الواحد، والتي من أبرز ملامحها التواصي بالحق والتواصي بالصبر.

إن التواصل المنشود بين علماء الأمة يعني التفاهم والتوافق لإذهاب الفوارق الفكرية وطرحها من أجل الهدف الأسمى، وهو تحقيق توحيد الرؤى الشرعية والدعوية لإصلاح الأجيال القادمة، وإعطاء الآخر الصورة المُثلى للإسلام في الوحدة والوسطية والتيسير والاعتصام بالشريعة الغراء أحكاماً وأخلاقاً وتعاملاً أمام النظرة العدائية للإسلام من قبل أعداء الديانات عامة والإسلام خاصة، وأمام الإلحاد المستشري في الأمم، وأمام غزو الانحلال من الفطرة الإنسانية والأخلاقية والإسلامية والدينية عموماً، لما لهذا الغزو من انحراف عن الفطرة السوية للإنسان المكرم، ولا يمكن إيقاف هذا الغزو الانحلالي الهادم إلا بتضافر الجهود الدينية لحماية الإنسان من الانحلال عن الدين والفطرة والكرامة الإنسانية، وأول حمايته يكون بتثبيت التدين الذي يزع الإنسان عن أن ينحدر عن كرامته التي كرمه الله تعالى بها إلى قاع الرذيلة والشذوذ والبهيمية.

وقد كان المؤتمر موفقاً بنتائجه التي خرج بها، ومن أهمها:

الاعتصام بالكتاب والسنة أصل الدين، وفيهما العصمة من الضلال والانحراف، مع ضرورة التمسك بهما وفق الفهم الصحيح للنجاة من الفتن.

ضرورة العناية بالفتوى وضبطها وفق نصوص الشريعة بما يحقق المصالح ويدرأ المفاسد، وأخذ الفتوى من أهلها، والحذر من الفتاوى الشاذة.

ضرورة الحفاظ على الأسرة وتحصين النشء وتعزيز القيم والمبادئ بما يكفل حماية المجتمعات من موجات الإلحاد والانحلال من خلال برامج نوعية تستهدف الوقاية والمعالجة الصحيحة.

وجوب التصدي لمحاولات تشويه الإسلام وبيان حقيقته السمحة ورحمته وعدله وتحريمه للظلم والعدوان، وبيان انحراف مناهج وأفكار الجماعات المتطرفة ومدى جنايتها على الإسلام، وأثرها في إذكاء الفتن والفرقة ونشر الفوضى واختلال الأمن في المجتمعات.

هذه التوصيات المهمة التي يتعين على علماء الأمة من المفتين ومسؤولي الشؤون الإسلامية أن يهتموا بترجمتها إلى الواقع العملي حتى تنتقل من النظرية إلى التطبيق؛ لأن الأمر لم يعد يحتمل التغاضي والتريث؛ فهذا خطر داهم يهدد الدين والقيم والمبادئ الإنسانية، والتصدي له هو واجب الأمة الإسلامية بالخصوص؛ لأنها الأمة التي هي خير أمة أخرجت للناس بما تحمله من قيم وفطرة سوية، وهي الأمة التي تحمل كتاباً كرم الإنسان وأعزه، وهي الأمة التي تدين بدين الوسطية في العقائد والعبادات، وهي الأمة التي تحترم الأديان السماوية وتؤمن بالرسل والكتب المنزلة، وهي الأمة التي تقدس القيم وتنشر الفضيلة، وهي الأمة الشاهدة على الأمم.

هذه الأمة التي تتزايد أعدادها بتعدد الثواني، وتجوب الأقطار ناشرة لكلمة الله العلي الأكبر سبحانه، سراً وجهراً، وبأسلوب وآخر، ومنصفو العالم يشهدون لها بالخيرية والمثالية، كما شهد لها الله عز وجل، بقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} فعلى هذه الأمة ممثلة بعلمائها الأجلاء أن يقوموا بواجبهم نحو الدين والقيم، ولا يمكن أن يقوموا بهذا الواجب إلا بتواصل وتكامل لتوحيد الرؤى والأهداف المنشودة، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

نسأل الله تعالى أن يوفق العلماء لتحقيق هذه الأهداف الكريمة.

• الاعتصام بالكتاب والسنة أصل الدين، وفيهما العصمة من الضلال والانحراف، مع ضرورة التمسك بهما وفق الفهم الصحيح للنجاة من الفتن.


«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر