محادثة بيني وبين أرسطو عن تحقيق السعادة

د. كمال عبدالملك

عالج أرسطو مسألة سعي البشر وراء السعادة والتي أطلق عليها الاسم اليوناني Eudaimonia (يودايمونيا)، وهي تُترجم عادة إلى السعادة أو الرفاهية والرخاء والازدهار الإنساني وتتكوّن من «يو» بمعنى (جيد أو صالح) و«دايمون» بمعنى (روح).

تخيّلت هذه المحادثة بيني وبين أرسطو عن كيفية تحقيق السعادة.

يبدأ المشهد في حديقة هادئة في مقدونيا مع مقعدين ومساحات خضراء مورقة. يجلس أرسطو على مقعد، منغمساً في قراءة لفيفة. أدخل أنا محملقاً في الرجل الجالس.

- أنا: (بلهفة) عفواً سيدي. هل أنت الفيلسوف أرسطو؟

- أرسطو: (ينظر إليّ، مبتسماً) نعم أنا هو. من أنت وما الذي أتى بك إلى هنا؟

- أنا: أكاديمي مصري أعيش في الإمارات العربية، قرأت أعمالك، وأنا مفتون بأفكارك عن السعادة لكن تحصيلها في عالم اليوم يمثل تحدياً لنا.

- أرسطو: آه، السعي وراء «اليودايمونيا»، السعادة، أو الرفاهية كما أسميها. إنه الهدف النهائي للحياة البشرية. قل لي، ما الذي يحيّرك؟

- أنا: حسناً، أرى أن العالم تغير كثيراً منذ زمنك. كيف يمكن أن تساعدني حكمتك القديمة في تحصيل السعادة الآن في هذا العصر التعيس؟

- أرسطو: (متأملاً أوراق الشجرة) أيها الأكاديمي المصري، لابد أنك مدرك هذه الحقيقة: بينما يتغّير الزمن، تظل الطبيعة البشرية ثابتة. تتحقق «اليودايمونيا» من خلال حياة الفضيلة والعقل والتوازن. دعنا نستكشفها معاً.

- أنا: لكن كيف يمكنني الموازنة بين مسؤولياتي المجتمعية وسعيّ لتحصيل السعادة الشخصية؟

- أرسطو: (يميل إلى الأمام) تأمّل في ضرورة العمل على إقامة توازن بين الممكن والمستحيل، بين الإسراف والتقتير، بين الشدة في المعاملة والتفريط. الفضيلة تكمن في اختيار التوازن والاعتدال، فعليك أن توازن بين طموحك الجامح وتواضعك المفرط، بين سعادتك وتضحيتك.

- أنا: يعني ماذا أفعل في علاقاتي الأسرية وصداقاتي وأعبائها؟

- أرسطو: (يبتسم) الصداقات ضرورية للحياة الجيدة. عزّز اتصالاتك بالآخرين وأسهم بشكل إيجابي في محيطك، سواء في دولة الإمارات أو في مصر. تذكر أنني مثلك انتقلت من بلد إلى أخرى، وعشت بين أثينا ومقدونيا، وحيثما أقمت كنت أقرأ وأفكر في القضايا الكبرى في ما يخص الكون والفساد والعقل والمنطق والسعادة والفضيلة. هذه نصيحتي لك: عشْ حياة الهدف والخدمة فهذا يعزز إحساسك بالإنجاز.

- أنا: (متأملاً) هذا منطقي. وماذا عن السعي وراء المعرفة وتحسين الذات؟

- أرسطو: (بشغف) العقل أداة قوية. السعي باستمرار للمعرفة، وطرح الأسئلة على الافتراضات السائدة، وتطوير التفكير النقدي — هذا هو الطريق إلى السعادة.

- أنا: فهمت. لكن وسط التحديات والنكسات، والعلاقات الإنسانية التي لا تدوم، تعبت في حياتي، وأتعبت، كيف يمكن لي أن أكون سعيداً؟

- أرسطو: المرونة هي المفتاح. احتضان المصاعب كفرص للنمو. قم بتنمية شخصية داخلية قوية وتكيّف مع تغييرات الحياة مع الحفاظ على قيمك.

- أنا: (ممتناً) شكراً لك، أيها الفيلسوف العظيم. حكمتك تتجاوز حدود الجغرافيا والأزمنة.

- أرسطو: (مبتسماً) تذكر يا صديقي أن السعادة هي رحلة مدى الحياة. من خلال البحث عن الفضيلة وممارسة العقل والسعي لتحقيق التوازن والاعتدال، ستجد السعادة الحقيقية، بغض النظر عن تباين العصر واختلاف المكان.

*باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر