طلب

عبدالله القمزي

منذ زمن «سحيق» دخلت عليّ موظفة، وطلبت مني المساعدة في عمل مناقصة.

- ما المطلوب؟

- أكتب «إيميل» لثلاث شركات فأكثر، وأطلب عروضاً لعمل مشروع خاص للمؤسسة.

كانت مستعجلة أو غير مهتمة وغادرت مكتبي.

كتبت الإيميل وأرسلته وفقاً لما طلب مني. جاءتني الردود. الأول يسأل متى المدة المحددة لتقديم العروض؟ والآخر عن تفاصيل المشروع. والثالث كان سؤاله غريباً، يريد 50% دفعة مقدمة قبل أن يبدأ في العمل الذي لم أخبره عنه بعد.

عدت إليها بأسئلتهم، فقالت إنها لا تعلم عن التفاصيل. وطلبت مني الذهاب إلى مسؤول أعلى منها. ذهبت إلى الأخير، فوجدته لا يملك أي فكرة عن المشروع وطلب مني تولّي الأمر بنفسي!

جمعت الشركات كل واحدة على حدة. قلت لممثلة الشركة الأولى: نريد عمل فيديو ترويجي.. فشرحت لي فكرة كأنها من فيلم «حرب النجوم». قاطعتها وطلبت منها الانتباه لما أقوله. بمجرد أن خرجت الكلمة الأخيرة من فمي غادرت المكتب قائلة إنها فهمت كل شيء وستذهب لتنفيذ العمل.

قابلت الشركة الثانية. وكانت رجلاً أوروبياً متحمساً للعمل بشدة. شرح لي فكرة مشروع حلمه، ونحن مازلنا «نسخن» في بداية الاجتماع. ولم يسمع مني الفكرة. أخبرته فقط أن لدينا مشروعاً. وفجأة، فاضت عيناه بالدمع من شدة تأثره «بحلمه» الذي يريد تحقيقه، وأنهى الاجتماع برغبته، وغادر وسط دهشتي.

في الاجتماع الثالث، قال لي المخرج الذي أرسلته الشركة، بمجرد أن شرحت له ما نريده، إن العمل بالكاميرا هو شغفه الأول منذ أن وطئت قدماه حرم الكلية، دون أن يسمع مني!

في الاجتماع الرابع، الذي رتبه لي صديق بعد أن قلت له إن الشركات التي تواصلت معها لا تبدو مهنية، جلست مندوبة الشركة تحدثني عن أن الشركات الأخرى المنافسة لا تتمتع بمهنية، وإنها تتسلم أعمالاً غير منتهية من شركات أخرى وتصلحها، ثم لا تدفع لها ثمن إصلاحها لأعمالها.

بعد شهر، أرسلت «إيميل» إلى الشركة الأولى أستفسر عن أي تقدم في الأمر، فقالت أنت لم تطلب البدء في التنفيذ.

قلت لها: أنت قلت ستنفذين العمل فوراً وغادرت.

أما صاحبنا الباكي فأرسل رجلاً متجهماً، وهذا الوحيد الذي لم ينبس ببنت شفة، واستمع إليّ بشكل كامل ثم غادر. وفي وقت لاحق صنع أقرب شيء لما طلبته المؤسسة.

اتصلت بمندوبة الشركة الرابعة، وقلت لها: هل أتوقع منك شيئاً؟ فقالت تصورت أنك سلمت العمل لشركة أخرى.. فلم أصنع شيئاً. لكن لو كنت تريد مني إصلاح المشروع، أو جزء منه، فأنا في الخدمة!

اتصلت بالمخرج الذي قابلته في الاجتماع الثالث وكان في سنغافورة. وقال لي: متى آخر موعد لتقديم العروض؟

قلت له: غداً، الساعة الثانية ظهراً.

قال: بتوقيتكم أم توقيت سنغافورة!

درس

لم أكن يوماً خبيراً في الإدارة. لكن، أعرف أنه من البديهي عند تقديم أي طلب توضيح المطلوب، وتحديد من المنفذ، وتحديد الفترة الزمنية لتقديم العرض وتنفيذ المطلوب، والنقطة التي ينساها كثيرون هي سياق الطلب: لماذا يهم أي مؤسسة عمل مشروع معين. وكل هذا كتبته في الإيميل، ورغم ذلك لم يفهم طلبي أحد سوى صاحبنا المتجهم.

abdulla_AlQemzi@

Abdulla.AlQamzi@emaratalyoum.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر