يوميات في العمل الخيري (18)

عُمْرٌ جديد

الدكتور هشام الزهراني

الحياة قصيرة ولأجلها يتسابق الناس في قضاء مصالحهم، وتبقى أمور كثيرة لم ينجزوها ولن ينجزوها، فمطالب النفوس كثيرة تضيق هذه الحياة في تلبيتها واستيعابها.

ولكن المُوفَّق من يُفكر خارج الصندوق فيجعل مرمى نظره الطاعات والأعمال الصالحة لأنها التي تبقى وتلازم الإنسان في الحياة المستقبلية الأبدية، التي لا نشك أننا سائرون إليها، فيحرص بكل ما أوتي من قوة ومال وجاه أن يجمع أكبر قدر من الطاعات ويبني القصور العالية والبساتين الوارفة لذلك المستقبل، فيحافظ على الصلاة والزكاة، ويصل الأرحام ويبر والديه، ويتخلق بالأخلاق الفضيلة الحميدة مع القريب والغريب، وهذا كله أمر محمود ومطلوب.

ولكن إليك هذه الوصفة النبوية التي تمنحك عمراً جديداً من الطاعات والخيرات بعد موافاة الأجل، فالحياة توقفت ولكن الحسنات تجري ولا تتوقف.

هذه الوصفة ترشدك إلى العناية بالطاعات ولكن بنوع خاص من الطاعات، ونقصد بها الأوقاف الخيرية، فهي مفخرة الشريعة الإسلامية التي حث عليها النبي ﷺ حتى تطوّرت وأخذت أشكالاً جديدة في القرون التالية، وتجاوزت إسهامات الأوقاف الخيرية في نفع الأناسي إلى الدواب والحيوانات، ومن يطالع كتب التاريخ يتعجب من فوائدها وما حققت من إنجازات، التي سنذكرها في مقال خاص بإذن الله.

فإحدى أهم خصائص الوقف الخيري أنها قائمة على فكرة الثبات والاستدامة في إيصال النفع إلى الآخرين، فنفعه متعد ويمتد لحقب طويلة، فنسمع عن آبار أعمارها 50 سنة بل أكثر من ذلك ومساجد عامرة قروناً طويلة وبساتين موقوفة عقوداً وغير ذلك، واليوم في العمارات المشيدة والأبراج العالية صور حية واقعية لاستمرار الخير.

والخصيصة الثانية للوقف أنه يكتب لك عمراً جديداً، فمن تبرع بشقة أو شقق أو وصى بها بعد موته، ثم بعد وفاته انقطع عمله ولكنه في الواقع قد بدأ عمله الجديد بتفعيل وصيته في تخصيص ريع الشقق إلى وجوه الخير، فكأنه اكتسب حياة جديدة يقدم خلالها أعمالاً خيرية وهو في باطن الأرض في مقابل أناس على ظهر الأرض لم يقدموا شيئاً.

لذلك نوصي الجميع بالاهتمام بالوقف والوصية، ولئن كانت الأوقاف ضعيفة في حقب سابقة ولأسباب معلومة، ولكنها تشهد بفضل الله تعالى ثم باهتمام أولياء الأمور هنا عناية خاصة تلبي احتياجات ضرورية للأفراد داخل الدولة وخارجها.

والجمعيات الخيرية تتيح للجميع المشاركة والمساهمة في الأوقاف الخيرية سواء في الحياة أو بعد الممات بالوصية.

ولاتزال تتطلع إلى أفكار إيجابية تعيد صياغة الأفكار الخيرية أو تُحسِّنها بنحو مؤقت أو مستدام.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر