«نلتقي»

حتّى يستمرّ الفرح!

د. بروين حبيب

في جو الصيف الخانق حرارةً ورطوبةً عندنا في الخليج، تلتفتُ إلى مصر فتقرأ عن انقطاعات الكهرباء، وتُدير رأسك إلى لبنان فيؤلم قلبك تقاتل الإخوة الفلسطينيين في مخيماتهم، وتستمعُ إلى الأخبار فتحدّثُك عن قتلى حرائق الغابات في الجزائر، وموجة الحرّ التي بلغت 50 درجة في تونس.

في ظل كلّ هذه المحبِطات التي تحاصرك، تمتدُّ إليك دعوة إلى مهرجان جرش (كيَدٍ من خلال الموج مدّت لغريق). قبلتُها بامتنان ولبّيتها بشوق لعلّ عدوى شعار المهرجان هذا العام «ويستمر الفرح» ينالني منها نصيب.

هذا المهرجان الذي استمر لأكثر من أربعة عقود متواصلة (ما عدا انقطاع بسيط لثلاث سنوات) تجربةٌ جديرةٌ بالتّثمين، منذ بداياته المتميزة برعاية جامعة اليرموك يوم كانت تغني فيروز عن «بترا» الأردنية فيجيبها صوت صباح فخري بـ«يا مال الشام». ويخبرنا مسرحه الجنوبي الروماني أن محمد عبده، ونجاة الصغيرة، ووردة الجزائرية، وملحم بركات، وكثيراً من نجوم الطرب في العالم العربي مرّوا من هنا.

علاقتي بمهرجان جرش تعود إلى منتصف التسعينيات حينها كان وهج الأغنية الملتزمة ساطعاً، بقطبيها اللبنانيَّين مارسيل خليفة وماجدة الرومي، وما بين حضوري زائرة مستمعةً مستمتعةً، وحضوري مشاركةً وقارئةً لشعري انقضت سنوات رأيت فيها هذا المهرجان يحافظ على مستواه العالي برعاية وزارة الثقافة وتتوسع دائرته من العروض الفلكلورية والمسرحيات والباليه والأوبرا ليفسح المجال واسعاً للثقافة والأدب، فيحتضن جماهيرية محمود درويش والتزام سميح القاسم وموسوعية أدونيس وفرادة عبدالله البردوني. ويصنع للشعر سمّيعة كما للفنّ جمهوره.

زرت هذا المهرجان السنة الماضية مشاركة في ندوة عن رواية جلال برجس «دفاتر الوراق» الفائزة سنة 2021 بجائزة البوكر، وزرته قبل أيام قارئةً من جديد شعري وقديمه، وفي كلّ مشاركة يتأكد لي أن النجاح ليس ابن الصدفة ولا ضربة حظ بل وراءه تخطيط وتعب وإصرار، وهذا وحده ما سمح باستضافة ألفي مشارك محلي وألف ضيف أجنبي هذه السنة بكرم الأردنيين المعروف وتنظيم محترف مثير للإعجاب.

كانت زيارة الأردن فرصة لي لتجديد صداقات مع أدبائه وفنانيه الذين قرأت لهم وحضرت عروضهم واستضفتهم في برامجي الثقافية على امتداد سنوات، كما كان فرصة أيضاً للاطلاع على التجارب الجديدة في المسرح والشّعر والفن عموماً، وهي ميزة إضافيّة تحتسب للمهرجان حين يفتح يديه واسعتين للشباب فيبدعون فوق مسرح لاتزال حجارته تردد صدى أصوات نجوم الفن والأدب.

كان لابد من حضور مهرجان جرش لأتأكد أن هناك دائماً بقعة ضوء حين تحيط بنا العتمة، وأن أمثال هذا المهرجان ضرورة حياتية حتى يستمر الفرح.

DrParweenHabib1@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر