تأملات في المرآة ورمزيتها

د. كمال عبدالملك

كلمة «مِرْآة»، وجمعها مرايا، سطح مستوٍ أو منحنٍ يعكس الضوء عكساً تنشأ عنه صورة لما أمامه، والمرآة واستعمالاتها منتشرة في حياتنا اليومية، وفي الآداب والفنون شرقاً وغرباً.

في أثناء إقامتي في كندا، كنّا نقرأ لبناتنا حكايات ما قبل النوم، ومنها حكاية Snow White «بياض الثلج»، وفيها تظهر المرآة (التي تتكلم مثل البشر)، والملكة الشريرة التي تحسد «بياض الثلج» على جمالها الفائق، وتسأل المرآة: من أجمل امرأة في كل البلاد؟ لمدة طويلة كانت المرآة تؤكد للملكة أنها أجمل امرأة، وذات مرة كررت الملكة السؤال نفسه: «مرآتي، مرآتي التي على الجدار، من أجمل امرأة في كل البلاد؟»، لتجيب المرآة هذه المرة بأن «بياض الثلج» هي الأجمل في البلاد، غضبت الملكة، وشعرت بغيرة شديدة من جمال «بياض الثلج»، ودبرت حيلة للتخلص منها.

فما قصة المرآة في تاريخ البشرية؟

كانت المرايا الأولية عبارة عن برك من المياه الراكدة التي يمكن أن تكون بمثابة أسطح عاكسة (لنتذكر أسطورة نرسيسوس ذي الوجه الجميل الذي رآه منعكساً على سطح الماء). بحلول العصر البرونزي (3200-600 قبل الميلاد)، تم صنع المرايا في العديد من المناطق المختلفة، عن طريق تلميع الأقراص المعدنية المصنوعة من البرونز أو النحاس أو الفضة. وقد استخدم قدماء المصريين المرايا في وقت مبكر. كانت مصنوعة من البرونز المصقول على شكل أقراص مستديرة مسطحة - لتمثيل إله الشمس رع - بمقابض من الخشب أو المعدن أو العاج. وبالمثل، في الصين، تم اكتشاف مرآة برونزية مصبوبة مؤرخة في وقت مبكر من عام 2000 قبل الميلاد.

وفي عام 1835 كان الألماني يوستوس فون ليبيج هو من اخترع المرايا الحديثة المنشرة في عالم اليوم.

في الأدب، لم يتوقف الأمر على الاستفادة من المرآة كأداة انعكاس، أو كرمز يمكن توظيفه، وإنما ظهرت المرآة فيما يسمى بـ«أدب المرايا»، الذي انتشر في أوروبا خلال العصور الوسطى، خاصة بين القرنين الـ12 والـ16، ونتجت عنه مؤلفات استجابت للرغبة في جمع المعرفة الموسوعية في عمل واحد. وعملت مؤلفات «أدب المرآة» التي أنتجت في الفترة المشار إليها، على تقديم كتابات استقصائية، كما في مؤلف «مرآة الخيمياء» لروجر باكون، أو «مرآة الخلاص البشري» الذي كتبه لودولف أوف ساكسوني، في القرن الـ14، و«مرآة الحمقى» لنيغل دو لونغشامب، و«مرآة الكنيسة» لأدموند ريتش.

ومن أدب المرايا إلى «كتاب فاوست»، وهو أيضاً نموذج أدبي على استعمال المرآة السحرية، وقتما يصطحب فاوست ميفستوفيليس، أحد الشياطين السبعة، إلى دار الساحرة، ليفتتن بالمرايا.

وحديثاً، نجد بعض التمثيلات للمرآة في الشعرين، الإنجليزي والعربي، مثلاً في قصيدة «المرآة» للشاعرة الأميركية سيلفيا بلاث، التي تصف من خلالها حياة شابة تكبر، وهي تنظر إلى مرآتها. وتحتفظ المرآة بمكانتها في الشعر العربي الحديث، كما نجد في ديوان أدونيس «المسرح والمرايا»، أو في دواوينه الأخرى.

والآن نتساءل: ماذا لو لم تكن المرايا موجودة؟ ماذا لو اختفت المرايا تماماً من عالمنا؟

أظن أن في غياب المرايا، فإن أشياء مثل اضطرابات الأكل ومنتجات التجميل، ستنتهي فلن يعرف أحد كيف سيظهر للآخرين أو أن يهتم بإصلاح أي عيوب في شكله وحجمه، مفهوم مثل هذا سيجبر الناس في النهاية على رؤية ما وراء الشكل السطحي الذي تعكسه المرآة.

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر