عاشوراء النعمة والابتلاء

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

يومُ عاشوراء يومٌ عظيم بما حدث فيه من نعمة، وما حلَّ فيه من ابتلاء؛ أما النعمة فهي ما حدثتنا بها السنّة المطهّرة عن نبي الله تعالى وكليمه موسى، عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، أن الله تعالى نجَّاه من عدوه فرعون وقومه، كما أخرج البخاري من حديث ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: «قدّم النبي، صلى الله عليه وسلم، المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه، وأمر بصيامه».

صامه نبينا، عليه الصلاة والسلام، شكراً لله تعالى على نعمته بنجاة أخيه موسى ابن عمران، فإن الأنبياء إخوة علّاة، دينهم واحدٌ، وشرائعهم مختلفة، فأي نعمة حصلت لأحد الأنبياء فهي نعمة لجميعهم؛ لأنهم كانوا على الحق، وأعداؤهم على الباطل، فاستشعار الأخوة الدينية والشرعية جامعة للأنبياء، عليهم الصلاة والسلام، وإن اختلفت أعصارهم، وتعددت شرائعهم، ومن أجل ذلك صامه النبي، عليه الصلاة والسلام، وأمر أمته بصيامه، ورغبهم في ذلك ترغيباً كبيراً، كما روى مسلم من حديث أبي قتادة الأنصاري، رضي الله عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال: «وصيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله»، بل إن صيامه كان فرضاً قبل فرض صيام شهر رمضان، كما روى البخاري ومسلم من حديث عائشة، رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يأمر بصيامه قبل أن يفرض رمضان، فلما فرض رمضان، كان من شاء صام يوم عاشوراء، ومن شاء أفطر.

وإنما أمرنا نبينا، عليه الصلاة والسلام، بصيامه لنستشعر الأخوة الإيمانية بين الأنبياء؛ فإن الإيمان بهم جزءٌ من إيماننا وعقيدتنا، فهو، عليه الصلاة والسلام، يربطنا بشجرة النبوة الوارفة الظلال بالإيمان، وإن كان أتباع تلك الديانات لا يؤمنون بنبينا وشريعتنا، فذلك لتقصيرهم وتفريطهم في دينهم، حيث خالفوه وتنكروا له، فنحن لا نجاريهم في جحودهم ونكرانهم، فهم مجزيون بشر أعمالهم؛ لمخالفتهم ما جاء في كتبهم وعلى ألسنة رُسُلهم من وجوب اتباع النبي المبعوث آخر الزمان، والديانة بشريعته، فلما أبوا كان جزاؤهم جهنم خالدين فيها أبداً.

وأما ما حدث في هذا اليوم من ابتلاءٍ عظيم، فهو ما شهدته أرض كربلاء من إجرام بحق سبط رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم؛ سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب، ابن فاطمة الزهراء، عليهم جميعاً السلام والرضوان، من قِبَل والي العراق عبيد الله بن زياد، وفي خلافة يزيد بن معاوية؛ هذه الذكرى المشؤومة التي يتفطر لها القلب أسىً وحزناً؛ لا تمنعنا من إحياء سنّة رسول الله، صلى الله عليه وسلم؛ لأنه حثنا على فعل السنن والمسارعة للطاعات، أما المآسي والسيئات فالمطلوب منا أن نهجرها ونبغض أهلها، ولا نجدد الأحزان لها، فإن الله تعالى لا يسألنا عن أفعال غيرنا، وكما قال ربنا جلّ شأنه: ﴿تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾.

وإنما ذكرناها؛ لأن البعض يجعل من هذه الذكرى المشؤومة ذريعةً لتفريق الأمة، وتشتيت أمرها، وإظهار العداوة والبغضاء للمسلمين، وهم يعلمون أنهم لا يقدمون شيئاً لهذه الحادثة المؤلمة، فكان الواجب أن تكون سبباً لاجتماع الكلمة على نصرة الحق ومنع الباطل، لأن جميع المسلمين يرون أن هذه الحادثة إجرامٌ ليس فوقه إجرام، غير أنه لا سبيل لأن يحاسب به غير من باشره، وهم قد أفضوا إلى الملك العدل الذي يجازي كل امرئ بما فعل، وهو سبحانه بالمرصاد لكل ظالم.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر