يوميات في العمل الخيري- 15

نصف الإناء الفارغ

الدكتور هشام الزهراني

تكثر الأنشطة الخيرية في الجمعيات الخيرية بزيادة الإيرادات، حيث إن القاعدة طردية بين النشاط والإيراد، فكلما زادت الإيرادات زاد التوسع في الأعمال الخيرية، وهذا ينطبق على الأنشطة كافة (بناء المساجد، حفر الآبار، كفالة الأيتام، مشاريع المياه، مشاريع الأسر المنتجة.. والمساعدات).

ولي وقفة مع المساعدات، وما أدراك ما المساعدات، فبعض حديث الناس في مجالسهم الخاصة والعامة يوجه أصابع الاتهام إلى المساعدات بالتقصير في أداء واجبها، وبنوا حكمهم ذلك على واقعة معينة أو تجربة شخصية لواحد أو اثنين، ونظروا إلى جزء الإناء الفارغ دون الممتلئ، ولأجلها يسفر بعض تلك المجالس عن انطباع عام غير راضٍ عن الجمعيات الخيرية.

وللأسف فإن النتيجة المتحصلة إنما جاءت عن استقراء جزئي ناقص، وحتماً سينتج ذلك الحكم.

وقد خالطت بعض تلك المجالس وما يدور فيها من حديث وقصص، فأجدها أوهى من شباك العنكبوت، وشاع في نفسي الحزن لذلك.

فعلى رسلك، لا تتعجل عليّ، فقطعاً تتفق معي في أن الحكم على الشيء فرع عن تصور ذلك الشيء.

يحتج القائلون بأن أموال الجمعيات كثيرة تجاوزت الملايين (المملينة)، فلماذا يتم إيقاف استلام الطلبات؟ وكلامهم معقول من حيث الجملة، ولكن التفصيل يكشف جلياً حقيقة هذه المبالغ (المملينة)، فالملايين إذا كانت موزعة على مشاريع مختلفة تلبية لرغبة المتبرع والمحسن، فلا يصح عقلاً ولا شرعاً أن يتبرع المحسن لبناء مسجد فتصرف الجمعية هذه المبالغ في إطعام الجوعى مثلاً أو علاج المرضى.

إذاً هي ليست بالأرقام الفلكية التي يتصورها الناس، ولا ندعي كذلك أنها قليلة، ولكنها لا تستوعب حاجات المراجعين كلهم لتنوعها وكثرتها.

وإليك هذه المعادلة، لو فرضنا أن لديك مليون درهم، وأعطيت كل مراجع 10 آلاف درهم، فإن عدد المستفيدين سيكون 100 مستفيد فقط، فالمبلغ المصروف كبير، ولكن أعداد المستفيدين قليلة، بالنظر إلى أعداد المراجعين وحاجياتهم، ولا يصح لوم المتصدق بأنك لم تساعد آخرين كذلك، وهكذا الجمعيات الخيرية تقدم مبالغ مالية عالية في المساعدات (بالملايين كل شهر)، ولكن يضيع بريق إنجازها إذا ما قورنت مع أعداد الراغبين في الحصول على المساعدات.

وكان أحد الأفاضل ذكر لي أنهم يساعدون شهرياً عدداً من الناس، وكان الرقم جيداً، ثم قال لي: فماذا عن الباقين الراغبين في التسجيل؟ فقلت له إن نظرت إلى الأمر من هذه الزاوية فلن تشعر بالإنجاز الذي قدمته أبداً.

[من لا يشكر الناس لا يشكر الله]

 لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر