«درس معرض السيارات...»

د. يوسف الشريف

أثار فيديو الآسيوي الذي ظهر مرتدياً الزي الإماراتي داخل معرض للسيارات الفارهة وهو يوزع أموالاً طائلة على موظفي المعرض جدلاً واسعاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأيام الماضية، وإن ما قامت به النيابة الاتحادية لمكافحة الشائعات والجرائم الإلكترونية أمرٌ محمود، إذ أصدرت قرارها الحازم والسريع بالتحقيق في هذا الفعل وفاعله.

وفي كل الأحوال دعونا نتناول هذا الأمر من جوانب عدة من خلال طرحنا معكم، ونسلط الضوء على المزيد من تلك التصرفات التي تسيء لسمعة دولتنا وقيمنا الاجتماعية.

في بداية فيديو رجل معرض السيارات قال إن لديه أربع زوجات، وإنه يريد شراء سيارات فارهة لهن. ولو كان الموضوع بهذا الطرح لما كان الأمر مهيناً أو مستهجناً، فهذا حق لأي شخص، لكن التركيز في الفيديو على أنه يريد شراء السيارات بأعلى الأثمان، ومحاولاته الاستعلائية على موظفي المعرض بأن يرمي لهم أموالاً طائلة ليشتروا بها كوباً من القهوة، كما وصف في تعبيراته.. كل ذلك كان فيه إساءة لقيمنا الوطنية التي تدعو إلى التواضع وعدم التفرقة أو الاستعلاء على أي شخص في دولتنا.

ونحن أيضاً في مسيرتنا التنموية بأكملها عمدنا إلى رفعة الإنسان الإماراتي، ولن نسمح بأن يأتي شخص دخيل أو حتى إن كان مواطناً لكنه لا يُقدّر القيم والعادات والأخلاق، ويصور للعالم أن هذه هي قيمنا ومنهجية تفكيرنا وتعاطينا مع الأمور المادية. وفي الحقيقة أنا أجد أن معرض السيارات يجب أن يُحاسب أيضاً كونه هو من قام بإعداد مثل هذا المحتوى، فالحساب المنشور عليه الفيديو هو حساب المعرض الشخصي، وهناك كُثر يقومون بمثل هذه الأمور لزيادة متابعيهم وتصوير معارضهم على أنها نموذج للترف والغنى الفاحش.

من يتجول في مواقع التواصل الاجتماعي سيجد أنه بدأ أخيراً ظهور محتوى يريد تصوير مجتمعاتنا ومدننا وإماراتنا بصور نمطية عمادها المال والغنى، وإن كنا في دولتنا ننعم بهذا الأمر والحمد لله، ومن الجيد أن نشاهد من يشاركنا ذلك وينعم بخيرات بلادنا، لكن تصوير هذا الأمر بسفاهة وإظهار مظاهر الترف المادي المبالغ فيها يوحي بشعور غير محبذ للكثير من الناس، ويسيء بشكل أو بآخر لقيمنا الاجتماعية والتنموية التي أرادت أن ترسم صورة مناسبة عن مواطنينا وشكل الحياة على أراضينا.

فالصورة الحقيقية التي يجب أن تُرسم للعالم عن الإمارات لابد أن تُظهر التنوع في طبقات مجتمعنا، وأن بيئتنا الحياتية داخل الدولة تُؤمّن الفرص المتكافئة بالحياة الكريمة لجميع من يقطن أراضينا، وأن دولتنا مقصد للطامحين والموهوبين والعلماء، لتكون أرضنا منارة لهم ولإنجازاتهم، ومقصداً للشركات ورؤوس الأموال العالمية أيضاً. ومن الطبيعي أن نجد إماراتنا مقصداً للأغنياء وأصحاب الثروات الطائلة، ونحن لا نتملص من هذا الأمر، لكن ما أقصده أن الصورة التي يجب أن تُرسل عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن دولتنا يجب أن تكون أكثر اتزاناً وواقعية.

كذلك للأسف شاهدت قبل فترة فيديو آخر منتشراً لفتاة تخرج من سيارة شرطة تُشبه إلى حد كبير سيارات شرطة أبوظبي، لكن الشعارات مختلفة، وتترجل من السيارة بصورة غير جيدة، لتقابل رجلين بسيارة فارهة وقد نفد الوقود من سيارتهما، لتقدم لهما المساعدة بأن توصل خرطوم الوقود بالصحراء وتبدأ بتعبئة الوقود، لتؤكد على صورة نمطية أخرى بأن بترولنا نسحبه من تحت البيوت، وإن كان هذا الأمر نعمة مَنَّ الله بها علينا، فلا يجب تناولها بهذا الشكل السخيف، ونحن من سنحتفل بتصدير آخر برميل نفط، لإيماننا بأننا نبني الإنسان قبل كل شيء. هذا بخلاف أن ذلك الفعل يمكن اعتباره تعدياً على مؤسسات اعتبارية في الدولة.

في النهاية.. ما أود أن أقوله هو أن وسائل التواصل الاجتماعي تعج بما قد يسيء للكثير من الأمور في حياتنا ولدولتنا، وأتمنى من الناس أن تعي ما تفعله عبر هذه المنصات، وأن تراعي الأنظمة والقوانين في هذا الشأن، فالأمر خطير والوقوع فيه ليس باليسير.

twitter.com/dryalsharif

www.ysalc.ae

محامٍ وكاتب إعلامي

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر