همجيَّةٌ لا حرية

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

ستبقى همجِيَّةُ الرَّعَاع وطالبي الشهرة باستفزاز الآخرين بأقدس مقدساتهم؛ ستبقى متكررة ومتنوعة ما دامت معلَّقة بشماعة الحرية الزائفة، وستبقى الجهات الراعية لأولئك متمادية في غيِّها ما دامت لم تلق رادعاً من الآخرين، وسنبقى نحن المسلمين نسْتعر غيظاً وغضباً لا نملك حولاً ولا قوة، وكأن هذه الأمور غدت ملازمةً لهم ولنا؛ هم في همجِيتهم يسرحون، ونحن في غيظنا سابحون.

إنَّ همجية إحراق المصحف الشريف بمملكة السويد برعاية شُرطية وتصريح رسمي تعبِّر عن همجية نظامية واستفزاز متعمد لمشاعر المسلمين أجمعين، وتُعد بذرةً من بذور الكراهية والبغضاء التي يسعى العقلاء لوأدها حتى يتعايش الناس بسلام ووئام، لا بكراهية ووحشية وشعوبية، فإن هذه الكراهية والبغضاء منبوذةٌ عند أسوياء البشر قاطبة، وها هو القِس الأكبر بابا الفاتكان أصدقُ من يعبر عن ذلك بقوله «السماح بذلك أمر مرفوض ومدان، والحرية لا تعني الإساءة للآخر». نعم إن هذا الفعل مُدان؛ لأنه مِشعل فتنة، وجَذوة كراهية تولد مكروهات اجتماعية ودينية وأخلاقية، ومثل ذلك مرفوض من عقلاء البشر الذين يودون العيش بسلام، وليس هذا من الحرية في شيء؛ لأنه عدوان على الآخرين في معتقداتهم، وإساءةٌ لمشاعرهم الواجب احتِرامها، فالحرية لا تبيح انتهاك المقدسات والمشاعر، بل ذلك مجرَّم في القانون الدولي، فإنه يوجب احترام الآخر في دينه ومعتقده وعاداته، فإن كان مثل هذا البلد يحترم الحريات كما يدعي فهو أول من ينتهكها بتصريح رسمي للإساءة للآخرين.

إننا معاشر المسلمين نحترم دين الآخرين وكتبهم المقدسة؛ فلم يَسمع العالم من قبلُ ولا من بعد مَن أحرق توراة اليهود، ولا أناجيل النصارى، ولا غيرها من كتب أهل الديانات الوضعية، لأننا نعلم أن ذلك عدوانٌ مبين لهم فيما يعتقدون، وقد أخبرنا ربنا سبحانه أنه ﴿لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾، بل نهانا أن نجهل على من يجهل علينا باستفزاز مشاعرنا في معتقداتنا ومقدساتنا، فقال لنا ربنا سبحانه: ﴿وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، فكان الواجب عقلاً إن لم يكن هناك نظام محترم أن تكون المعاملة متماثلةً في تبادل احترام المشاعر والحقوق، غير أن الثقافة التي يتبنونها لم تعد ثقافة دينية ولا إنسانية، بل هي ثقافة رَعَاعية همجية، لم تكن البشرية تعرفها من قبل.

فعلينا إذاً أن نعرف هذا الحال منهم سواءٌ في هذا البلد أو ذاك، ثم نتعامل معهم بأسلوب يليق بديننا وقِيمنا، فلا ننجر إلى مثل هذا العار الذي يتحلَّون به، لاسيما إخواننا الذين يعيشون معهم في ديارهم، فإن عليهم أن لا يكترثوا بمثل هذه الإساءة الفظيعة، بل أن يُروهم جمال الإسلام وأخلاقه العالية المترفعة عن هذه السفالة المقيتة، فيبرُّونهم ويقسطون إليهم كما أمرهم ربهم سبحانه، وإن وجدوا فرصةً للترافع القضائي لتصحيح معنى الحرية من خلال القوانين العالمية التي توجب احترام الآخر في معتقده كاحترام نفسه وماله، فعليهم أن يسلكوا هذا المسلك فلعلهم يهتدون.

إن كتاب الله تعالى الذي تمتد إليه الأيادي الآثمة التي سيُغِلها الله تعالى ويُشِلُّها عاجلاً أو آجلاً هو في حفظ الله وكَنَفه، فلا تؤثر فيه مثل هذه التصرفات الرعناء المشينة، كما قال المَعرِّي:

ما يضير البحر أمسى زاخرا * أن رمى فيه غلام بحجر

فهو محفوظ في الصدور قبل أن يكون مدوناً في السطور، وحفظ الله تعالى له فوق حفظ البشر، فالواجب أن يزداد انتشاره حفظاً وفهماً وتشجيعاً ونشراً بكل وسائل التقنية المتاحة، ليصل إلى من في أسماعهم وقْرٌ وهو عليهم عَمى، وبذلك يزداد غيظ مثل هؤلاء الأراذل، ويموتون بغيظهم.

«همجية إحراق المصحف الشريف بمملكة السويد برعاية شُرطية وتصريح رسمي تعبِّر عن همجية نظامية واستفزاز متعمد لمشاعر المسلمين أجمعين».

* «كبير مفتين مدير

إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر