«نلتقي»

ليس لدينا فرع آخر

د. بروين حبيب

حكت لي صديقة من لبنان أن بائع فلافل مشهوراً في بيروت توفي وكان له ولدان، فاختلفا من منهما يرث المحل واسمه التجاري، وحين لم يصلا إلى حل فصلا دكان أبيهما بحائط فأصبحا محلين متلاصقين: اسم أحدهما «الفلافل الذهبية الأصلية»، واسم الثاني «الفلافل الذهبية الأصلي»، أي غيرُنا تقليد (لو كان ابن منظور صاحب «لسان العرب» يعيش في زماننا لقلت هو من نبههما إلى هذه الفتوى اللغوية). وحتى تكتمل الكوميديا كتب كل واحد منهما على الواجهة: «ليس لدينا فرع آخر».

تذكرتُ هذه القصة بعد أن رأيت صدفة - وفيديوهات «تيك توك» تتوالى أمام عيني - شخصاً يرسل له المتابعون اسماً، فيُصدر صوتاً مكرراً عبارة عن «بيو بيو» في شكل جملة موسيقية يُدخل فيها الاسم المطلوب. نعم هكذا والله! وشدني الفضول فكتبت اسمه في «غوغل» فوجدت له فيديو بالطريقة نفسها حاز مليون مشاهدة. وليت الموضوع وقف هنا، فمنذ انتبهت لهذا «المؤثّر» أصبحت تمر أمامي في «تيك توك» عشرات الفيديوهات المشابهة لأشخاص يقلدونه مع تغيير من بعضهم للميلودي الأصلية، فتصبح حيناً «ميو ميو» أو «نيا نيا»، حفاظاً على الملكية الفكرية للمخترع الأصلي.

حاولت أن أجد تفسيراً لهذه الظاهرة فقلت في نفسي: لن يشفي غليلي إلا أحدث ما وصلت إليه التكنولوجيا في الذكاء الاصطناعي (يفهمون على بعض)، فسألت «ChatGPT» سؤالاً محدداً: لماذا يشاهد المتابعون شخصاً يكرر حركة تافهة آلاف المرات؟ فكانت إجابته: «لأنه يمكن أن يخلق الألفة والجاذبية، ويشجع المشاركة، ويكون له تأثير ساحر ويقدم جماليات بصرية»، فضربت كفّاً بكفٍّ وقلت: «عليه العوض ومنه العوض» في الذكاء الاصطناعي.

حتى النكتة الذكية نستظرفها في المرة الأولى ثم نعتادها حين نسمعها ثانية، ونستثقلها في ثالث سماع، أما في المرتين الرابعة والخامسة فنَصُبّ اللعنات عليها وعلى صاحبها، فما بالك بحركة أو صوت مكرر مئات المرات يصبح «ترند» يتابعه عشرات الآلاف، وله عشرات المقلّدين ويذكّرنا صاحبُه زميل إدسون وماري كوري في الاختراعات التي أسعدت البشرية بأنه الأصل والباقي تقليد. وحتى تكتمل المهزلة تتلهف القنوات الفضائية على استضافة هذا المؤثر وغيره لينقل إلينا خبرته النادرة ويصبح قدوة لأولادنا.

عَوداً إلى حكاية الأخوين بائعي الفلافل واستفادةً من تجربتهما العميقة في النكد العائلي، أنصح صاحب براءة اختراع «بيو بيو» بأن يحفظ حقوقه المادية الآن والمعنوية في المستقبل، وفي ظل التهافت على تقليده وسرقة إنجازاته بأن يكتب فوق كل فيديو يتحفنا به: «ليس لدينا فرع آخر».

حتى تكتمل المهزلة تتلهف القنوات الفضائية على استضافة هذا المؤثر وغيره، لينقل إلينا خبرته النادرة ويصبح قدوة لأولادنا.

@DrParweenHabib1

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر