يوميات في العمل الخيري (11)

بين مطرقة التيسير وسندان التثبت

الدكتور هشام الزهراني

الشفافية والوضوح أحد أهم مرتكزات العمل الخيري في دولة الإمارات العربية المتحدة، ويعدان من أهداف أو رؤى الجمعيات، إذ تقدم أنشطتها على طبق من الوضوح للقاصي والداني، فالعمل الخيري يحظى بإشراف وزارات ودوائر ومجالس خيرية تزيد في العمل الخيري قوة إلى قوة، وثباتاً إلى ثبات، ونمواً إلى نمو.

فالإشراف على العمل الخيري دافع نحو تقديم برامج وأنشطة متميزة، تخدم المجتمع المحلي والخارجي.

والإشراف على العمل الخيري دافع نحو أخذ كل المقومات التي تحسن من الخدمة، وترفع من مستوى العطاء، وتسد الثغرات والفجوات.

ولأن أموال المحسنين أمانة، كان من الواجب وضع إجراءات عملية تكفل حفظ الأموال، وكذلك تحقق منها الغرض المطلوب.

ولأجل هذه الأمور لابد من اتخاذ بعض التدابير والإجراءات الإدارية، التي قد تعد في نظر بعض الأفراد من باب التعقيد أو التشدد.

نعم قد يكون ذلك الخاطر صحيحاً لأول وهلة، ولكن ما يلبث أن يضمحل عند التعمق في تفرعات العمل الإداري الخيري، فيظهر خطؤه جلياً. وهذا عام في كثير من القرارات الإدارية المتخذة في مختلف الدوائر، فقد لا نصل إلى سبب ذلك القرار، لعدم ارتباطنا الشديد به. ولكن إذا عرف السبب انقطع العجب.

وخذ تقديم المساعدات وإعطاء الزكوات مثلاً شائعاً عاماً عند الناس، مع أخذك بالاعتبار أن الزكاة لها مصارفها، فلا توزع لكل من هبّ ودبّ، وإنما يجب التفريق ما أمكن ظاهراً بين أهل الخَلة (الفقر) والحُلة، حتى تؤدى الأمانة وتقع موقعها الشرعي.

فمع الحياة البسيطة كان الناس يميزون بين الفقير وغيره بأمارات ظاهرة خاصة في وقتهم، مع قرب الدور والمساكن، ومعرفة الناس بعضهم بعضاً.

ولكن في ظل الحياة المعاصرة تبدل الأمر، وتغيرت الحال، وأصبحت الأموال تودع في الحسابات، ومصادر الأموال تنوعت في الوظائف والتجارات، وإثبات الحاجات صار مسجلاً في الوثائق والمستندات، فاستدعى ذلك كله طلب جملة متباينة من الأوراق، اختلفت من حالة إلى أخرى، ومن شخص لآخر. وتهدف هذه المستندات في المحصلة النهائية إلى بيان دخل الفرد المالي، وتوضيح التزاماته المالية والمقارنة بينهما، مع مراعاة بعض الظروف المحيطة بها من بيان طبيعة الحياة التي يعيشها الفرد في ضوء دخله الشهري، هل بينهما انسجام أو تباين، ولكل منهما إجراءات خاصة بها.

وعلى ذلك تكون المستندات الواقعية المطلوبة هي التي تؤثر في بيان دخل الفرد، وأيضاً في بيان التزاماته المالية، وإذا لم يتحقق أحد هذين الأمرين، فإما أن تكون تكميلية توثيقية تحصيل حاصل كعقد النكاح أو تقرير طبي قديم، أو يكون من الزَّبِد الذي ينبغي أن يُطرَح فلا نثقل قائمتنا بها فلا حاجة لطلبها.

(الصدقة لا تحل لغني ولا لقوي قادر على الاكتساب.. فلزم التحقق والتثبت).

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر