دول الخليج قادرة على الاستقلال بعملتها

خلف أحمد الحبتور

في الاقتصاد العالمي المترابط اليوم، قوة العملات النقدية والقرارات الفردية التي تتخذها بعض الدول، لها تأثير كبير في العالم بأسره.

غالباً ما تضع هيمنة دولار الولايات المتحدة في سوق الصرف، البلدان الأخرى «على كف عفريت». أتساءل: ألم يحن الوقت بعد للاستقلال بسياساتنا النقدية؟

اقتصاداتنا مرتبطة ارتباطاً - سلبياً في غالب الأوقات - بدولة تخط المسار الاقتصادي والمالي للعالم أجمع، بناء على مصالحها الخاصة وقراراتها الفردية، ولا أصف هذا الارتباط «بالسلبي» من فراغ، بل استناداً إلى سياسات مجلس الاحتياطي الفيدرالي وطريقة تعاطيه مع الأزمات المماثلة.

تلحق دول العالم بركب مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتتبع السياسة النقدية ذاتها، مع علمها المسبق بالأضرار التي قد تصيب اقتصاداتها، خاصة مؤخراً بعدما ارتفع معدل التضخم إلى نحو 5% في أميركا، ورفع البنك المركزي الأميركي الفائدة 10 مرات خلال 14 شهراً، لتصل إلى أعلى مستوياتها منذ ما يقارب 20 عاماً، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية.

من ناحية أخرى، نجد أن دول مجلس التعاون الخليجي أثبتت تفوقها وثقلها الاقتصادي والسياسي على المستوى العالمي، عدا عن موقعها الاستراتيجي كنقطة محورية جغرافياً، فهي لاعب أساسي على الساحة العالمية اقتصادياً وسياسياً، سواء على صعيد التجارة النفطية المكتسحة للسوق العالمي، أو المبادلات التجارية غير النفطية التي تجاوز حجمها - على سبيل المثال بين دولة الإمارات ومجموعة الدول الخليجية - 281 مليار درهم خلال عام 2022، بنمو 14%، مقارنة مع عام 2021.

استناداً إلى هذه الحقائق، أجد أنه آن الأوان لدول مجلس التعاون الخليجي، كي تتولّى دفة القيادة على أكمل وجه، وبالتحديد على الصعيد الاقتصادي، بإنشاء عملة موحّدة لدول الخليج، ويمكن دعوة مصر والأردن إلى الانضمام. مثل هذه الخطوة من شأنها أن تقلل من التبعية، وتوفر استقلالية أكثر في تشكيل السياسات النقدية، إضافة إلى تعزيزها للاستقرار الاقتصادي، وتوطيدها للتكامل الإقليمي.

كما أنها ستبرز مكانة الإمارات والسعودية كقادة عالميين، بفضل بنيتهما التحتية المجهزة على أساس متين اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

لا بد من ذكر أن نموذجاً كهذا ليس من وحي الخيال، فهناك تجارب ناجحة مثل «تحالف البريكس» (الذي يضم البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا)، حيث تسعى الدول الأعضاء في ما بينها، إلى إنشاء عملتها الخاصة لحماية نفسها من تقلبات الدولار وتأثيره، ولتحظى بمزيد من السيطرة على اقتصاداتها وسياساتها النقدية.

ووفقاً لألكسندر باباكوف، ستنشأ عملة «البريكس» الموحدة على أساس استراتيجي، وليست قائمة على الدولار أو اليورو، وتأمينها سيكون بالاعتماد على الذهب والسلع الأخرى، مثل المعادن النادرة.

وفي أوروبا ظهر اليورو بديلاً قوياً ومثالاً ناجحاً للتحرر من قبضة الدولار.

اعتمدت منطقة اليورو (المكونة من 19 دولة عضواً في الاتحاد الأوروبي) اليورو عملة مشتركة.

وقدم اليورو لهذه الدول استقلالية أكبر في قرارات السياسة النقدية، ما قلل من اعتمادها على الدولار وسمح بمزيد من السيطرة المحلية على العوامل الاقتصادية.

على الرغم من التحديات والتفاوتات الاقتصادية العرضية داخل منطقة اليورو، فإن اليورو يقف بديلاً قابلاً للتطبيق للدولار، ويعرض إمكانية التحرر الناجح من هيمنته.

تجربة التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي تعد من أهم التجارب في التنظيم الدولي والأكثر نجاحاً حتى الآن.

ويجب أن نسعى لأن نتحرر من الدولار وتقلباته، وأن نملك وحدنا القرار في مصيرنا ومصير اقتصاداتنا، فالسياسة تخط الاقتصاد.. تؤثر فيه وتتأثر به، وفي ظل كل ما يشهده العالم اليوم، يلزم المشهد الاقتصادي العالمي الحالي إعادة تقييم، وتحديداً للسياسات النقدية والاستقلالية الاقتصادية للدول.

إن دول مجلس التعاون الخليجي ببراعتها الاقتصادية وأهميتها الجيوسياسية، لديها القدرة على قيادة الطريق في هذا المسعى لاتباع عملة موحدة، بالتعاون مع مصر والأردن، تمكنها من صياغة سياساتها النقدية وتنفيذها، وتمنحها المرونة للاستجابة بشكل أكثر فاعلية للظروف الاقتصادية العالمية والمحلية، كما أنها ستعزز الشعور بالهوية الجماعية والوحدة بين دول مجلس التعاون الخليجي، وترمز إلى رؤية مشتركة، وأهداف مشتركة مع الدول الشقيقة، وتسهل تدفقات التجارة والاستثمار السلس بين الدول، وتشجع النشاط الاقتصادي عبر الحدود، وتعزز التعاون الوثيق في مجالات السياسة المالية.

عملة موحدة غير مرتبطة بالدولار الأميركي، تدل على التزام دول مجلس التعاون الخليجي بالاستقلال الاقتصادي والاعتماد على الذات، وتبعث برسالة قوية إلى المجتمع الدولي مفادها أن دول مجلس التعاون الخليجي قادرة على رسم مسارها الاقتصادي، وتقليل اعتمادها على العوامل الخارجية.

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر