الرفيق المخلص

أمل المنشاوي

لم يكن أبداً أوراقاً صماء، بل عمر وميلاد جديد ومصباح نور وسط العتمة والانكسار، ولم تكن سطوراً وكلمات بل طوق نجاة من الأحزان ويد امتدت نحو غريق بائس يصارع أنفاسه الأخيرة لأجل البقاء، وفارس شق غبار انهيار الأحلام وداوى الجراح الغائرة، وملأ النفس ضياء.

هو الصديق القديم الباقي على العهد رغم القطيعة والهجران، لا يعاتب ولا يلوم بل يفتح ذراعيه على الحياة مع كل عودة بفرصة أخرى عظيمة لا تحتمل تأجيلاً ولا تقبل إرجاء.

هو الأنيس في الليالي الموحشة والرفيق الذي لا يمل مهما امتد الطريق ومخبأ القصاصات التي تقطر شعراً ووجداً ومرقد الورود التي لا يهدأ عبقها ولا يذبل الإحساس بها مهما طال الزمان.

هو الذي يحمل بين طياته أطياف الراحلين عنا ورائحة عطرهم، ويرسم بين جنباته ملامح وجوههم وابتسامتهم الحانية وهم يفاجئوننا به هدية قيمة وتعبيراً صادقاً عن حبهم لنا، عصي على النسيان.

هو الذي يشاركنا نبض الحب الأول وسعادة اللحظات المسروقة قبل النهايات الحزينة، ويذكرنا كل ليلة كم كنا أبرياء في مواجهة الخذلان.

هو الذي يجفف دموعنا ويخفف أوجاعنا ويعدل مزاجنا ويقيل عثراتنا ويصنع نجاحاتنا ويوسع خطواتنا ويحقق الأمنيات الصعبة، ويرسم حولنا هالة نورانية من الأدب والأخلاق الرفيعة والثقافة التي تهذب النفس وترفع الشأن.

هو الذي يسافر بنا في أرجاء الكون الفسيح ويفتح لنا عوالمه الساحرة البهية، ويُحضر المستقبل شاخصاً قبل مجيئه وينبئنا بما سيكون عليه من التطور والعمران.

هو الكتاب ونوره الذي هو فيض من روح الله الكريمة، وعطية سماوية ووصفة ربانية للنجاة في هذه الدنيا عنوانها الأكبر «اقرأ»،

فالقراءة عالم آخر مختلف وزاد نزداد معه رفعة وقيمة وواحة ظل وسط هجير الإلكترونيات وسرعتها المخيفة ومساحة فسيحة لنا ولأبنائنا من السلام والأمان.

ها هو معرض أبوظبي للكتاب يجيء مجدداً ومحملاً بذكرى الأوقات الغالية وعناوين الحكايات العتيقة لكهنة معبد آمون وملاحم الإلياذة والأوديسا وحصان طروادة والسيرة الهلالية والكوميديا الإلهية، والقصص الملهمة التي أثرت الخيال وأسرت الفؤاد بعالم مبهج للكبار والصغار، وغيرها الكثير الذي مازال ينتظرنا بعد أن عاش بذات الألق والابهار عقوداً في العقول والوجدان.

معرض أبوظبي الدولي للكتاب الذي يفتح أبوابه لمدة أسبوع كامل فرصة عظيمة لتجديد العهد مع الصديق الوفي والرفيق المخلص، الكتاب، بكل ما يحمله من ثقافات وألوان من الشعر والأدب والعلوم والفنون طابعها الإبداع وجنسيتها «الإنسان».

يشاركنا نبض الحب الأول وسعادة اللحظات المسروقة قبل النهايات الحزينة، ويذكرنا كل ليلة كم كنا أبرياء في مواجهة الخذلان.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.  

تويتر