«نلتقي»

من «التُّكْتُك» إلى الـ«تيك توك»

د. بروين حبيب

لستَ بحاجة إلى تكوين جيّد ولا إلى موهبة أصيلة ولا حتى إلى واسطة، يكفيك حساب على «تيك توك» وقليل من الجرأة وكثير من الهبل لتصبح مؤثراً ومشهوراً وصانع «لا محتوى». جمهورك من المراهقين بل من الأطفال الذين تحايلوا على شرط السنّ في التطبيق وفتحوا حساباتهم، لا يهمّ ما تقدّم المهم حصد المتابعات، لعلّ الله بكرمه يمنّ عليك أن تصبح «تريند» في يوم ما.

حتى لا أُفهم خطأً أنني ضد «تيك توك» أقول إنني استعملته أيضاً، فقد وجدته وسيلة جيدة لتحقيق رغبة في التمثيل كامنة في نفسي منذ أيام المسرح المدرسي سرقتني منها الدراسة الأكاديمية في البدء ثم الإعلام لاحقاً، بل أجد «تيك توك» كأي اختراع بشري آخر - سيفاً ذا حدّين - قد يُساء استعماله أو يُحسن، ولعلي فوجئت حين اطّلعت من فترة على ما أحدثه هاشتاغ «بوك توك» الذي أطلقته مراهقتان بريطانيتان شاركتا متابعيهما بعض ما قرأتا فحصد ستة مليارات مشاهدة خلال أسابيع معدودة، وارتفعت من ورائه مبيعات الكتب إلى أرقام قياسية، ممّا جعل كثيراً من دور النشر الغربية تعيد النظر في سياساتها التسويقية وتعتمد مؤثري «تيك توك» حصاناً رابحاً تراهن عليه.

أعرف هذا عن «تيك توك» وأكثر منه ممن ينشرون مقاطع تعليمية أو صحية أو عن السفر أو حتى استغلاله في مبادرات خيرية، ولست ضد الجانب الترفيهي فيه، بل أنا مع الديمقراطية التي يتيحها لكلّ من يستشعر في نفسه موهبة قد لا تسعفه الطرق التقليدية بالانتشار، لكن ما لا أحبّه فيه بل يرعبني تأثيره الكبير على الأطفال، بتمكينهم من استعماله دون رقيب ولا حسيب، بل وبتشجيع من أهل لا مسؤولين، ما أبشع أن يصوّر الوالدان طفلة لهما لا تتجاوز الخامسة وهي ترقص مقلدة فلانة أو تتفوه بكلمات بذيئة منتهكين براءتها. والأخطر التحديات التي تطرح في «تيك توك» مثل تحدي التعتيم الذي يطالَب المُشترك فيه بقطع النّفس عنه حتى يفقد الوعي، وقد ذهب ضحيته أطفال عدة جربوه، بل هذا الأسبوع فقط تسبب تحدي أطلق في «تيك توك» تحت هاشتاغ «كيا تشالنج» بخسارة شركة هيونداي أكثر من 200 مليون دولار لأن لصوص سيارات علموا المتابعين كيفية سرقة سيارات «كيا» فاضطرت الشركة لعرض تعويضات ضخمة.

في ركام هذا «الهبل» المتفاقم ومواهب «اللاشيء» علينا حماية الأطفال من هذا الغول الذي سيفترسهم لا محالة، بمراقبتهم وتوجيههم إلى محتويات إن لم تكن نافعة فلن تكون ضارة، حتى لا يتحوّل في نظرهم كل سائق «تُكتك» إلى صانع محتوى بـ«تيك توك».

ما لا أحبّه فيه بل يرعبني تأثيره الكبير على الأطفال، بتمكينهم من استعماله دون رقيب ولا حسيب، بل وبتشجيع من أهل لا مسؤولين.

@DrParweenHabib1

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر