يوميات في العمل الخيري (9)

قليل ما هم

الدكتور هشام الزهراني

تدرس الجمعيات الخيرية ملفات المراجعين، وتسعى قدر جهدها في التحقق من استحقاقها للمساعدة وفق المعطيات الظاهرة، دون الدخول إلى الأمور الخفية الباطنة التي لا يتوصل إليها إلا بالتحسس أوالتجسس، وهما منهيٌّ عنهما شرعاً.

ويستلم المستفيد مساعدة مالية، تتفاوت قيمتها من حالة إلى أخرى، ومع تفاوتهما نرى أن مواقف المراجعين تتفاوت كذلك بعد استلامهم المساعدة من الجمعية الخيرية، فمن مستقل ومستكثر، ومن قانع ومعتر، وتشهد أحوالاً عجيبة في تعاملهم مع المساعدات التي يحصلون عليها، فبعض المواقف يرفع الرؤوس، وبعضها يندى له الجبين، وأسوقها تنازلياً بالأحسن ثم الحسن ثم ببيان ضدها.

فمن المواقف الحسنة ما رأينا من أناس صادقين، تقدموا بطلب الحصول على المساعدة لغرض معين، وقبل استكمال دراسة ملف أحدهم، قدم مدحاً وعرفاناً، وطلب سحب ملفه، لأنه قد عالج ذلك الوضع المادي الذي مر به، فلم يعد محتاجاً إلى المساعدة.

وأعجب من ذلك من يستلم قيمة المساعدة، ثم بعد ذلك يرجع الشيك الصادر إلى الجمعية، متبوعاً بعبارات الشكر والثناء لها، وأن أمره قد حل من جهة أخرى، أو لم يعد بحاجة إلى المساعدة.

وزد عجباً من ذلك الشخص الذي يتلقى المساعدة، ويستفيد من مبلغ منها في علاج أو دراسة، ثم بعد ذلك يرجع الباقي من المبلغ إلى الجمعية ليستفيد منه شخص آخر أحق به، لأن حاجته قد انقضت بالمبلغ الذي دفعه، ولم يحتج للباقي.

وجميع الحالات السابقة قليل أهلها، ولكن أنعم بهم.

أما المواقف النادرة القليلة فمنها من يرجع جميع قيمة المساعدة المقدمة إليه، بعد أن فتح الله عليه من أبواب فضله، فيقابل إحسان الجمعية بإحسان منه، فيرجع المبلغ كاملاً طيبة به

نفسه.

ولو انتقلنا إلى الجهة المقابلة فنأسف لسرد بعض تلك المواقف، فمنهم الذي تنقضي حاجته من جهة أخرى، فيسعى سعياً حثيثاً في المحافظة على الشيك الذي حصل عليه من جمعية أخرى، بالتنسيق مع الجهة المستفيدة، ليحصل منها على المبلغ نقداً في شؤون أخرى من حياته، سواء كان محتاجاً إلى ذلك أو لا.

ومنهم الذي يضطر مكرهاً إلى إرجاع الشيك إلى الجمعية الخيرية، لأن الجهة المستفيدة امتنعت عن تسليمه المبلغ، لأنه صادر من جهة خيرية، فيحاول حينها جاهداً مع الجمعية في اختلاق حاجة أخرى من أجل أن لا يفقد المبلغ.

بل تجده يخاطب باستعلاء شديد، مطالباً بأن يُرد إليه مبلغه، ولو لم يحصل ذلك أبدى امتعاضاً وتسخطاً واتهاماً.

وقالوا قديماً «عشِ رجباً ترَ عجباً

»، فإليك من أعجب الحوادث التي مرت بي، وهي حصول اختلاف بين الجهة المستفيدة والمراجع، فالجهة المستفيدة أعطت سعراً أعلى من السعر الواقعي تواطؤاً، واتفقا على منح فارق السعر إلى المراجع، ثم نكلت الجهة عن منح المبلغ للمراجع، فقام المراجع بالشكوى إلى مخفر الشرطة، سارداً قصته بجلاء سافر! واتصل بي المناوب، بعد أن ضجر من خصومتهما، وتعجب من جرأة المراجع، مع مخالفتهما الصريحة في رفع هذا الأمر إلى الجهة التي شأنها أن تحدُّ من المخالفة والجريمة.

[المكثرون هم المقلون يوم القيامة.. فاللهم بارك لنا في ما رزقتنا].

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

 

تويتر