الحياء

أمل المنشاوي

نخفي فيه المشاعر، ونهذّب به الرغبات، ونغض به الطرف خشية أن توشي بنا النظرات، تغرسه الأمهات في نفوس الأبناء، ويقرنَّه بحسن التربية وجميل الصفات، وتتوارى خلفه ضحكات الصبايا، ويدفنَّ فيه خفقان الحب الأول، ودقات القلب، وتورد الوجنات.

تتزين به النساء جمالاً يدوم بدوام العمر، ويحمله الرجال شرفاً، ورفعة شأن، وإرثاً لا يباع، تماماً كماء الوجه، ويترك آثاره الطيبة في النفوس سلاماً، ويُلبس صاحبه عزاً في كل الأوقات.

تعلمناه مرادفاً للستر والعفة والحفاظ على خصوصية البيوت وآداب الطرقات واحترام الآخرين، والترفع عن الأذى والخوض في الأعراض، وكشف الأسرار، وتحريم ما يؤخذ بسيفه من العطايا والهبات.

شعبة من شعب الإيمان، وفضيلة تحث عليها كل الأديان، ونور في الوجوه، وصحة في الأبدان، وعُرف تحافظ عليه الأجيال في مجتمعاتنا مهما اختلفت الرؤى وتباينت الثقافات.

درع نصد بها كل ما لا تستسيغه الفطرة السوية، ورداء نحتمي به من سوء السلوك وسيئ العادات.

إنه الحياء الذي يتعرض لهجمة شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي تحت مسميات وادعاءات من قبيل «الثقة بالنفس»، و«الحرية» واختلاف العصر، وتغير الثوابت والمسَلّمات.

لدينا في كل مجتمعاتنا العربية موروث جميل، وعادات حميدة نراعي بها حقوق بعضنا بعضاً، تحفظ البيوت وتحافظ على بنيانها وخصوصيتها، نحتاج جميعاً أن نتمسك بهذا الموروث، وتلك العادات، فهي حائط صد منيع في وجه من يحاول جعل الأمر عادياً، وهو ليس كذلك على الإطلاق.

النجاح والشهرة والمال، كل ذلك لم يكن يوماً مرادفاً للتفريط أو الإسفاف أو الخروج عن جادة الطريق، فلدينا نماذج من صانعي المحتوى الذين أثبتوا عكس ذلك، ونجحوا أيما نجاح، ونالوا الاحترام والتقدير والإعجاب.

نحتاج أن نتابع أبناءنا فيما يقدمونه على المواقع المختلفة، ونوجه حسهم وجهدهم نحو ما يملكونه من مواهب وتفرّد يساعدهم في قادم الأيام، ويبني مستقبلاً أفضل لهم فيما هو آت.

نحتاج إلى دور أقوى للأسرة والمدرسة ومؤسسات المجتمع، للحفاظ على اعتدادنا بأنفسنا وبأخلاقنا وعادتنا الحميدة، وأولها الحياء، فهو ليس نقصاً، بل من أعظم الميزات.

الحياء ليس فكراً قديماً أو تخلفاً عن مواكبة العصر، بل نافذة نور وسط عتمة الفوضى، وطوق نجاة في قلب تيار جارف، وصمام أمان للشباب والفتيات.

@amalalmenshawi

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر