معرض الفن الأميركي متعدّد الثقافات

د. كمال عبدالملك

لايمرّ يوم في جامعة هارفارد من دون أنشطة أكاديمية وثقافية عدة: محاضرات عامة، حفلات موسيقية، عروض مسرحية، معارض فنية.

في معرض جديد في متاحف الفن بالجامعة تظهر الجذور العميقة للفن الأميركي متعدّد الثقافات. نرى في لوحاته صورة للتفاعلات بين الحضارة الأوروبية والسكان الأصليين والأفارقة في أعمال من زمن الإمبراطورية الإسبانية. يسترعى انتباه الزائر لوحة زيتية عنوانها «صورة بترونيلا مينديز» (1763) للفنان دييغو أنطونيو دي لانديتا.

ما أول فن أميركي تأثر بأوروبا؟ سؤال تثيره لوحات هذا المعرض التي تمزج الثقافات والأديان المختلفة في المستعمرات الإسبانية في القارة الأميركية قبيل نشوء الولايات المتحدة. والمعرض المُسمى «من جبال الأنديز إلى البحر الكاريبي: الفن الأميركي في عصر الإمبراطورية الإسبانية»، والذي يستمر حتى 30 يوليو، يدور حول ثلاثة موضوعات: الدين كسياسة، والثقافة الهجينة والثقافة التوفيقية، والثروة والرفاهية والعمل. وتنوّعت الأعمال الفنية بين الروحي والدنيوي، فيرى الزائر الأيقونات الدينية بجانب صور لأشخاص ومشاهد من الحياة اليومية.

ويعود تاريخ الأعمال المعروضة من 1600 إلى نحو 1860، وتتنوّع في ما وصفه أمين المعرض هوراس بالارد بأنه «عصر النهضة»، ويقول عن الفنان ماتيو بيريز دي أليسيو، إنّه «ساعد مايكل أنجلو في عمله بكنيسة سيستين. في عام 1583، أبحر إلى ليما، حيث درّب فنانين من السكان الأصليين والسود على رسم أيقونات.. أردت أن أحكي قصة العلاقات عبر الأطلسية، لكنني أردت أيضاً، من الصورة الأولى، أن أظهر وجود السكان الأصليين وجذوره في البلاد».

ويقول بالارد إن «عمله كعالم وأمين علّمه أن ينظر إلى الوراء إلى عام 1492 ووصول الإسبان، واكتشافهم للفضة بعد فترة وجيزة، ما سيمول توسع إمبراطوريتهم. بالنسبة لمعرضي الأول هنا في متاحف هارفارد للفنون، كان من المهم للغاية إعادة صياغة فهم الفن الأميركي على أنه لم يبدأ بجيمستاون أو المهاجرين الأوروبيين (- pilgrims الحجاج) في عام 1620، ولكن بدأ بالإمبراطورية الإسبانية».

ونفهم من كلام بالارد أن للألوان رمزية مقصودة، فاللوحات التي عُلِّقت على جدران من اللون الأحمر القرمزي ترمز إلى الفن الديني، والأبيض يركز على الهويات الهجينة والتوفيقية، والأزرق الداكن يرمز إلى الثروة، والرفاهية، والعمل، و لوحة «بترونيلا مينديز» تصور الابنة البالغة من العمر تسع سنوات لعائلة ثرية من السكان الأصليين المنحدرين من أصل إفريقي، رسمها دييغو أنطونيو دي لادايتا، فنان من أصل إفريقي أيضاً، وبترونيلا هي فتاة صغيرة جميلة الوجه مزيّنة باللآلئ، في حين تحظى لوحة «سيدة غوادالوبي» بجودة عالية تظهر ملابسها المنقوشة، والتي ربما كان المقصود منها استحضار الملابس الاحتفالية.

في حين أن العديد من هؤلاء الفنانين كانوا من السكان الأصليين أو من أصول إفريقية، فإن الوجوه المصوّرة تتميّز بالبشرة البيضاء والخدود الوردية. وأوضح أمين المعرض أن ذلك يرجع إلى إنعكاس إضاءة المتحف على القطع المخصصة إما للكنائس أو للبيوت: «مع ضوء الشموع، ستتحول بشرة هذه الشخصيات من الأبيض إلى مزيد من البرونزي والذهبي.. سوف تتلّون، سوف تتغيّر، سوف يطغى عليها اللون الأحمر، يعني في النهاية هذه الوجوه سوف تُعدَّل.. وهكذا فإن الطريقة التي نرى بها هذه اللوحات اليوم تجعلها تظهر أكثر بياضاً».

باحث زائر في جامعة هارفارد

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر