يوميات في العمل الخيري (5)

بوصلة العمل الخيري

الدكتور هشام الزهراني

تطور مفهوم تقديم الأعمال الخيرية من المشاركات الفردية إلى العمل الجماعي، ضمن منظومة متكاملة متعددة الأطراف، بدءاً من المحسن وانتهاءً بالمستفيد.

ومفهوم العمل الخيري قائم على تقديم الأعمال الخيرية التي تنتج آثاراً إيجابية مشروعة على الفرد والمجتمع، وهي تختلف من وقت إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، وحتى ذلك العمل الخيري وغيره قد يكون مؤقتاً وليس من المصلحة تقديمه بشكل دائم، وإلا ينقلب نقمة على الآخرين، ومناط الأمر في ذلك النظر إلى مآلات الأمور والنتائج المستقبلية، سواء الاقتصادية أو المجتمعية، على الأفراد والشعوب.

فإحدى الدول التي نكبت بكارثة «تسونامي

» تلقت دعماً من المجتمعات الأخرى في توفير قوارب صيد لأهلها، لأنهم يعتمدون على حرفة الصيد، فحرصاً من الجهات الخيرية على تخريج أسر منتجة يحصل عندها الاكتفاء على المدى البعيد، وهي نظرة صحيحة ابتداءً، إلا أن آثارها كانت عكسية، فحصل لديهم تكدس في هذه المهنة، وأثّر سلباً في حياة الأسر من حيث المردود المادي.

وهذا يرشدنا إلى أمور مهمة، منها:

أن تؤخذ احتياجات الشعوب في دولها من هيئات خيرية من الدولة نفسها، ولو ضُمت إليها دراسات متخصصة من جهات بحثية، تملك دراسات وتحليلات عن المجتمع واحتياجاته للمرافق العامة والخدمات المتوفرة، وعدد السكان، وما إلى ذلك من المعلومات التي تهم المختصين بالأعمال الخيرية، سواء كان في قُطر معين أو على مستوى الدولة، فسيُفيد ذلك في انتقاء المشروعات والخدمات المناسبة، وعرضها على المحسنين.

والأمر الآخر أن تتلقى الجمعيات الخيرية هذه الاحتياجات، وتعلنها للمحسنين والمتبرعين على ضوء تلك المعلومات والدراسات، ويتم تسويقها بالشكل الملائم.

والنقطة الأهم تقع على عاتق المحسن، وهي أن يسترشد بالجمعيات الخيرية في اختيار المشروعات المناسبة للزمان والمكان، وأن يتفهم أن هذه الاحتياجات المعلنة قد تكون أولى بالدعم والتنفيذ في الوقت الحالي من مشروعات خيرية قد تجول في خاطر المحسن.

فليس كل بقعة في حاجة ضرورية إلى المساجد أو الآبار، بل قد تحتاج إلى علاجات ومستشفيات ونحو ذلك في وقت معين، بل وقد تحتاج إلى أمور أبسط من ذلك، ولكن أهميتها كبيرة في تيسير حياة الفرد، مثل تمديد شبكات المياه إلى بيوت الفقراء، على سبيل المثال.

والقاعدة أن الاحتياجات لا يشترط فيها أن تلامس رغبات المتبرعين، وإنما تلامس الحاجة الفعلية على أرض الواقع للنهوض بالمجتمعات.

فالجمعيات الخيرية بمثابة بوصلة ترشدك إلى الاحتياجات الفعلية في المجتمعات الأخرى.

[استرشد بالجمعيات الخيرية عند اختيارك لعملك الخيري حتى يقع موضع الحاجة].

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر