الدراما البنّاءة والدراما الهدّامة

كان شهر رمضان، كعادة كل عام، موسم الدراما والأعمال الفنية، حيث يتسابق المنتجون لاستغلال الموسم في طرح أعمالهم، وفي كل عام يتدنى المستوى، وتتكرر الحوارات الخالية من المضمون أو الهدف، وأصبح الهدف هو مجرد الوجود في السباق، أياً كان مستوى هذا الوجود، حتى لو كان قاصراً على تعبئة الهواء، وشغل الوقت ليس إلا، وما زاد الطين بلة هو كمية الإعلانات التجارية المهولة، التي تتميز بالسماجة و«تِقل الدم»، خاصة تلك التي تحتوي على أغانٍ واستعراضات مطولة.

وبالمقارنة بالماضي، وتحديداً الثمانينات والتسعينات، كانت الأعمال الدرامية لها هدف، والكوميديا كانت ظريفة ولها طعم، مسلسلات مثل الشهد والدموع، الوسية، أرابيسك، ليالي الحلمية، لن أعيش في جلباب أبي، وكثير من الأعمال الخالدة، حتى الفوازير وبرامج المقالب كانت أرقى وطبيعية وبسيطة، مقارنة بالبرامج السخيفة التي قد تؤدي إلى وفاة الضيوف (الضحايا)، مثل ما حدث لأحد الضيوف الذي أصيب بنزيف جراء وقوعه ضحية لبرنامج يعتبر جريمة بكل المقاييس. كيف يمكن أن تعود الدراما الهادفة أو على الأقل النظيفة والبعيدة عن الإسفاف؟ كيف يمكن حل هذه المعضلة في ظل عالم الفضاءات المفتوحة وتحكم رأس المال الأعمى البعيد عن الأخلاقيات، والذي يسعى لتعظيم الأرباح فقط على حساب كل شيء.

هل يمكن تشجيع منتجين لديهم بعض المبادئ على إنتاج أعمال تعزز القيم الإيجابية وتساعد على حل مشكلات اجتماعية، أو ترفع الوعي لدى الشباب عن مخاطر الإدمان مثلاً؟ هل يمكن استقطاب شخصيات ناجحة لديها التزام نحو قضايا المجتمع ومحببة لدى الشباب للإسهام في أعمال هادفة تساند جهود الجهات المعنية في حل مشكلات مستعصية في مجتمعاتنا منها الإدمان، الاستحواذ على ميراث الأخوات، البلطجة، الإرهاب، والكسل، انتشار الطلاق، تلاشي الهوية الوطنية، غياب الوازع الديني، قضايا البيئة وكثير من القضايا التي تؤثر سلباً في مجتمعاتنا، التي لم تتمكن المؤسسات الدينية بأساليبها التقليدية من علاجها أو حتى القرب من العلاج، بل ربما أسهمت أصلاً في تفاقمها.

أعتقد أننا كأفراد لنا دور مهم، وهو بسيط ومؤثر، ويتلخص في مقاطعة الأعمال الهابطة والدراما التي تتنافى مع قيمنا المجتمعية، وعدم مشاهدة تلك الأعمال واستنكارها، حيث إن نسب المشاهدة العالية تسهم في انتشار ورفع سعر المشاركين في تلك الأعمال، فالحل هو مقاطعتها تماماً، وعدم الإشارة إليها حتى لا يزيد «الترافيك» عليها في «السوشيال ميديا»، وكذلك عدم متابعة المشاركين فيها على قنوات «السوشيال ميديا»، حيث يتباهون بذلك، ويعتبرون أنفسهم «مؤثرين» بقدر عدد متابعيهم. يمكن أيضاً مقاطعة القنوات نفسها التي تعرض الأعمال الهدامة وما أكثرها! علينا أن نأخذ هذا الأمر بجدية، خاصة أنه بعد أجيال الستينات والسبعينات والثمانينات لن تجد الأجيال التالية بوصلة توجهها أو مرجعية تستند إليها. لا أدعي أن الأجيال القديمة تملك قيماً أكثر من الأجيال الحديثة، ولكن أتصور أن التحديات والمغريات التي تواجه هذه الأجيال أكبر بكثير وأصعب من التحديات التي واجهتها الأجيال السابقة، حيث لم يكن هناك «غول» التكنولوجيا، ولا صناعة التفاهة الممنهجة الموجودة هذه الأيام. وكل عام وأنتم بخير.

Garad@alaagarad.com

Alaa_Garad@

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

الأكثر مشاركة