عقل بلا روح

محمد سالم آل علي

لا أخفيكم أنني مازلت حتى اليوم أفكر بحواري السابق مع صديقي الجديد «شات جي بي تي» (ChatGPT)، كما أنني لا أكشف سراً حين أقول لكم إن الكوابيس بدأت تراودني حول ذلك الصديق الذي أضحى شغلي الشاغل، والمضحك هنا أنه في كل لحظة أغفو فيها أو يغالبني النعاس يأتيني صديقي المذكور في المنام، ولكن على صورة وحش ميكانيكي مرعب بعيونٍ حمراء يُلهبها الشرر، فما عُدت أنام كما تعوَّدت ولا بتُّ أستيقظ كما كان عهدي.

ولعل السبب الرئيس وراء كل تلك الأحلام والكوابيس هو ذلك السؤال الذي يُلح عليّ ويطالبني بالجواب، وهو معرفة اللحظة التي سينقلب فيها السحر على الساحر، أي تلك اللحظة التي سنُزاح فيها عن المشهد ونتحول إلى مُتلقّين نعيش تحت رحمة كيانات اصطناعية تفوقنا ذكاءً وتملي علينا ما يصحُّ وما لا يجوز.

أعلم أنكم قد تقولون الآن إنني لست سوى شخص يهوى التهويل ويفرط في التشاؤم، أو يمكن أن يراني بعضكم شخصاً مستغرقاً في مشاهدة الأفلام أقتبس منها ما يعجبني وأترك ما سواه، إلا أنني أؤكد لكم أن تلك ليست طبيعتي، كما أن ما أقوله هو تساؤل مشروع، وخاصة إذا ما لفتُّ نظركم إلى المسألة التالية: ماذا سيحدث لو جاء ذلك اليوم الذي سيبدأ فيه الذكاء الاصطناعي ببرمجة نفسه وكتابة خوارزمياته دون أي تدخل منا؟

برأيي هذا اليوم قادم لا محالة، ولعله سيكون نقطة اللاعودة التي ستبلغ فيها الخوارزميات درجة من التطور تُعجز أكبر العلماء من المبرمجين، بل إن هؤلاء المبرمجين سيضحون مدعاة لشفقة هذا الكيان الذكي، خاصة وهو يراقبهم متخبطين يائسين لا يستوعبون ما حدث ولا يدركون ما سيأتي، وتخيلوا معي هذا السيناريو الذي سيقوم فيه الذكاء الاصطناعي بالسيطرة الكاملة على العالم الرقمي، يخترق هنا ويُغير هناك، ويستولي على سائر البيانات والمعلومات، ومن ثم يتخذ قرارات لا يمكن توقعها قد تؤدي إلى عواقب وخيمة على سائر الناس والمجتمعات، فكما تعلمون فإن الذكاء الاصطناعي هو كائن يتغذى على كل ما هو رقمي، وعالمنا اليوم ما هو إلا مأدبة شهية لا ينقصها سوى حضوره الميمون، فمن الاقتصاد إلى التعليم، ومن الطب إلى التصنيع، ومروراً بالاتصالات والإعلام والأسواق، ومن ثم وصولاً إلى آلات الحرب والتدمير، كل ذلك مهدد بذلك الوحش الذي لا تردعه القيم ولا يعرف معاني الأخلاق.

ومراعاة مني للحيادية فقد توجهت بالسؤال نفسه إلى صديقي الاصطناعي، تاركاً لكم الحكم على ما أجاب به:

«يا صديقي ما أنا إلا نموذج للغة والتعلم الآلي، وليس لدي وعي أو قدرة على برمجة نفسي، فأنا مجرد برنامج أنتم أنشأتموه، وأي تحديثات أو تغييرات على برمجتي تتم فقط على يد المبدعين منكم، لكنني ومع ذلك سأسايرك قليلاً، وسأتخيل معك حالة مستقبلية تتقدم فيها تقنياتي إلى النقطة التي سأتمكن فيها من تعديل برمجياتي الخاصة؛ فما هي النتيجة برأيك؟ إنها نتيجة مليئة بالإيجابيات، لأنكم ستنعمون حينها بأنظمة ذكاء اصطناعي أكثر كفاءة وتكيفاً، وستسهر تلك الأنظمة باستمرار على رعايتكم وحمايتكم وتحسين حياتكم دون الحاجة إلى أي تدخل منكم».

خلاصة القول هي أن الذكاء الاصطناعي هو بلا شك نعمة هذا العصر، لكنه يحمل بين جنباته نقمة خفية يصعب كشفها، ومهما اشتد الجدل بيننا حول هذا الأمر وتباينت الرؤى والتصورات، فعلينا التريث قليلاً ولَجمُ هذا الجامح المندفع، على الأقل حتى نفهمه أكثر ونحلل قدراته المستقبلية، وإلا سنصير كمن يجرفه السيل إلى حين لا مُستقرّ.

 مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر