«نلتقي»

حكّة السنة السابعة

د. بروين حبيب

كنّا بحاجة إلى مسلسل مثل «الهرشة السابعة»، ليمسح خيبات أملنا في السنوات الأخيرة من المسلسلات الرمضانية التي أصبحت قائمة على رصيد نجوم الشباك، وعلى موضوعات لا تخرج على إطار الفتوّة والمخدرات والصراخ والمبالغة في الانفعالات.

كنّا بحاجة إلى هذه الدراما التي تنقل الحياة اليومية الحقيقية، وتبني أساسها على الحوار القوي المتقن وتصوير الصراع النفسي للشخصيات، وكأننا نتلصص عليها، ونرى دواخلها. ولعل هذا ما جعل «الهرشة السابعة» المسلسل الأكثر تداولاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، فهو تشريح متقن لاضطرابات العلاقات الزوجية، ولحكّة السنة السابعة من الزواج الذي كان بالمناسبة عنوان فيلم كوميدي شهير لمارلين مونرو.

يعالج المسلسل بواقعية مدهشة ما يعتري العلاقات الزوجية من فتور وملل ومشكلات قد تؤدي إلى الطلاق بعد سنوات من الزواج، ولماذا تفشل علاقة عمرها 18 سنة، وطرفاها «عاملين دكتوراه في بعض».

تشعر بأنك جزء من المسلسل لواقعيّته، والأجمل أنك لا تتحيز لطرف ضد آخر؛ فكل شخصية فيه مقنعة وتصرفاتها مبرّرة، فأنا كامرأة لم أنزعج من شخصية «آدم» مثلاً، رغم إحساسي العالي باضطرابات نفسية المرأة عند «نادين». ففيه تتقاطع نماذج لزيجات غيّرها الزمن، اختصرها الفنان ماجد الكدواني، في عبارة ذكية «لما بنكبر العلاقات بتكبر ولما بنتغير العلاقات تتغير وده النضج في العلاقة»، وحلُّ ذلكَ جملة ترددت على ألسنة معظم أبطال المسلسل: «نشتغل على نفسنا».

اقتصاد في الأداء والعاطفة أداره المخرج الشاب كريم الشناوي بحرفية فائقة، يظهر في الكادرات السينمائية، وفي حركة الكاميرا الهادئة التي تلتقط التفاصيل الدقيقة في الانفعالات وتعابير الوجوه. وكل هذا ما كان ليتم دون نص كان البطل الحقيقي للمسلسل كتبته «ورشة سرد»، بإشراف مريم نعوم، وأصبحت بعض جمله تتناقلها وسائل التواصل، كأنها كلمات مأثورة، فتعابير مثل: «الست التعيسة عمرها ما تعرف تربي طفل سعيد»، صادفتني عشرات المرات في وسائل التواصل.

وليكتمل مثلث الإبداع في المسلسل يجدر التنويه بأبطاله، فهم ليسوا نجوم شباك، ولا من الذين يراهن عليهم صنّاع الدراما ومديرو القنوات التلفزيونية، لكنهم كسروا هذه القاعدة الظالمة، فمحمد شاهين بنظراته وتعبيراته ولغة جسده أثبت لنا أننا أمام خامة تمثيلية عالية الحرفية، وينطبق القول أيضاً على أمينة خليل، فقد أجادت الدور بشكل متقن، وهي المعروفة بذكائها في انتقاء أدوارها، دون أن نغفل بقية الأبطال، مثل علي قاسم وأسماء جلال وحنان سليمان وغيرهم.

حتى الأغاني في آخر كلّ حلقة كانت جزءاً عضويّاً من المسلسل، وتلخيصاً فنيّاً لمجرياتها، وأنا متفائلة بأن مسلسل «الهرشة السابعة» سيكون فاتحة لخط جديد من الدراما العربية التي تشبهنا، يعيد إلى المواسم الرمضانية جاذبيتها، بعد أن كادت تسرقنا منها المنصّات الرقمية.

• أبطاله ليسوا نجوم شباك، ولا من الذين يراهن عليهم صنّاع الدراما ومديرو القنوات التلفزيونية، لكنهم كسروا هذه القاعدة الظالمة.

@DrParweenHabib1

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر