كيف تخطت البرتغال أزمتها المالية

الدكتور علاء جراد

من وحي زيارتي للبرتغال أحببت أن أشير لبعض الإضاءات عن الأزمة المالية الشديدة التي مرت بها هذه الدولة الصغيرة الجميلة، والتي أصبحت بمثابة بوتقة لثقافات متعددة، منها الثقافة والتراث الأندلسي حيث تطغى العمارة الأندلسية وفنونها في الكثير من أرجاء البرتغال. إحدى المحطات المهمة في الحقبة الأخيرة من تاريخ البرتغال هي الأزمة المالية، فقد تعرضت البرتغال لأزمة مالية حادة في عام 2010 نجمت عن الأزمة المالية العالمية، وتفاقمت بسبب عوامل داخلية عدة مثل الدين العام العالي، وضعف التنافسية، وقطاع البنوك الذي يعاني مستويات عالية من القروض التي لم تسدد.

وحتى تتجاوز البرتغال تلك الأزمة نفذت حزمة من الإصلاحات الاقتصادية والهيكلية، بدعم من صندوق النقد الدولي والمفوضية الأوروبية والبنك المركزي الأوروبي، المعروفة عالمياً باسم «الترويكا». وشملت بعض الإجراءات الرئيسة التي نفذتها البرتغال للتقشف المالي، فقد نفذت برنامجاً للتقشف المالي لتقليل عجز الميزانية واستقرار الدين العام، مع تقليل الإنفاق العام وزيادة الضرائب وإصلاح نظام التقاعد، كما شملت إجراءات التقشف أيضاً خفض أجور القطاع العام، ففي عام 2011 خفضت البرتغال رواتب الموظفين الحكوميين، وكان نصيب الموظفين ذوي الدخل الأعلى في التخفيض أكبر، كما تم التوقف عن دفع علاوات تعادل راتب شهرين كان يتم دفعها في عيد الميلاد وفي عيد العمال، وتم عمل إصلاحات في نظام التقاعد، ففي عام 2012 رفعت البرتغال سن التقاعد وخفضت المعاشات لذوي الدخل العالي. وبالتوازي مع ذلك تم زيادة الضرائب، حيث زادت البرتغال الضرائب على مجموعة من السلع والخدمات، بما في ذلك ضريبة القيمة المضافة والوقود والتبغ. كما تم خفض الإنفاق العام في مجالات مثل الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي، كذلك توسعت في الخصخصة، حيث باعت البرتغال بعض الأصول المملوكة للدولة، مثل شركة الطيران الوطنية تي أيه بي، في محاولة لتوفير السيولة اللازمة.

واستمرت البرتغال في إصلاحات سوق العمل، حيث أدت تلك الإصلاحات لزيادة المرونة والتنافسية، وشمل ذلك تغييرات في قوانين حماية التوظيف وآليات تحديد الأجور واتفاقيات التفاوض الجماعي. كما نفذت الحكومة إصلاحات هيكلية لزيادة الإنتاجية والتنافسية، وشمل ذلك إجراءات لتحسين بيئة الأعمال وتقليل الأعباء الإدارية وتعزيز روح ريادة الأعمال. كذلك نفذت البرتغال إصلاحات لقطاع البنوك لزيادة الشفافية وتقليل المخاطر وتحسين الإشراف والتنظيم للمؤسسات المالية.

كانت هذه الإجراءات جزءاً من برنامج شامل للإصلاح المالي والإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تخفيض عجز الميزانية، وتثبيت الدين العام، وزيادة القدرة التنافسية. وعلى الرغم من أن هذه السياسات كانت ضرورية لمواجهة تحديات الاقتصاد البرتغالي، إلا أن الشيء اللافت للنظر في هذه المعالجة هو تحمل الشعب البرتغالي، وإحساسه بالمسؤولية وتفهم الإجراءات التي اتخذتها الحكومة من أجل الخروج من الأزمة وعدم إعلان إفلاس الدولة، ولقد ساعدت هذه الإجراءات البرتغال على استقرار اقتصادها وازدهاره والخروج من الأزمة.

أخيرا تكفي الإشارة إلى أن قطاع الفنادق في البرتغال قد سجل 69.5 مليون ليلة مبيت في عام 2022 وفقاً للمعهد الوطني للإحصاء (INE) ويعكس ذلك مدى الاستقرار والتنافسية العالية لهذا البلد صغير الحجم قوي الإرادة والتأثير.

Alaa_Garad@

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر