يوميات في العمل الخيري (2)

لا تحرم نفسك الخير

الدكتور هشام الزهراني

البرامج الخيرية الإذاعية أو التلفزيونية باب كبير من أبواب المنافسة في الخيرات وتفريج الكربات وقضاء الحاجات، ولكن ملاحظة استوقفتني وأحببت أن أشارككم إياها، وهي أنه حينما تبث وسائل الإعلام برامج خيرية متنوعة لجمع التبرعات، ينصرف ذهن المستمع أو المشاهد إلى أنها تخاطب أهل اليسار والثراء، وهو غير مخاطب بذلك، فالفقير ومن يرى نفسه مستحقاً لتلك التبرعات ينصرف عن هذه البرامج لأنها لا تعنيه، وبذلك يحرم نفسه خيراً كثيراً، ويصير من المغبونين حقيقة.

أليس في قدرتك أن تسهم بعشرة دراهم، والدرهم بعشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف عند ربك، وتحوز بذلك الفضل العظيم؟

ألا يعلم الله تعالى بحالك؟ ويعلم أنك لربما أخرجت ما نسبته 1% أو 5% أو 10% من دخلك، فتكون مساهمتك كبيرة بالنظر إلى مقدار مالك، ولربما درهم سبق ألف درهم.

وكان فقراء الصحابة يحرصون على التبرع امتثالاً لنداء النبي صلى الله عليه وسلم للتبرع، وكان بعضهم يؤجر نفسه عند آخرين أجيراً، يعمل لديهم ليحصل على أجرته في آخر اليوم، ثم يسارع الخطى ليتصدق بتلك الأجرة والمال رغبة في الظفر بالخير.

ونلاحظ أن النبي صلى الله عليه وسلم حث الفقراء إلى فعل المعروف، ونهى الأغنياء عن أن يحتقروا معروف الفقراء إن أسدي إليهم، فقال: «يا نساء المؤمنات لا تحقرن جارة جارتها ولو فِرْسِنَ شاةٍ»، أي ولو كان ذلك المهدى شيئاً ليس ذا قيمة كبيرة، وذلك حتى نشجعهم على فعل المعروف ليكون كل المجتمع يقدم الخير، فتسمو بذلك النفوس، وتعلو الهمم، بدلاً من أن يعتاد السؤال والمسكنة.

فليس المهم الكم، ولكن المهم أن لا يفوتك هذا الركب، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم، نحتاج أن نستبدل قليلاً تلك القناعات - سواء بكسر القاف إن صح أو فتحها - التي علقت بالأذهان طويلاً، بأخرى تكشف لنا كم أبعدنا أنفسنا عن الخير من أجل ذلك الوهم.

فشخصية المرء قد تتكون وتنشأ على أوهام وظنون يقتنع بها فتلازمه ملازمة ظله، ومن جهلت نفسه قدره رأى غيره منه ما لا يراه.

ولا ننسى في الختام أن نذكر الفقراء المستفيدين من المساعدات التي تمنح إليهم من الجمعيات الخيرية توجيه المصطفى: «من صنع إليكم معروفاً فكافئوه»

فلتكن مكافأتهم بتبرع يسير في أي باب من أبواب الخير، عملاً بتوجيه النبي صلى الله عليه وسلم، أو الدعاء والثناء على الجمعيات التي قدمت إليه الدعم إن عجز عن المكافأة المادية.

[عمل الخير ليس حصراً على الأغنياء ولكنه من يوميات النفوس الراقية].

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر