مبادرة الوقف للإطعام

د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد

مبادرة وقف المليار وجبة التي أطلقها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حفظه الله ورعاه، تعد مبادرة خيِّرة مباركة، هدف من خلالها إلى إطعام الجائعين من الناس، كل الناس، وهذا من البر الذي يحبه الله تعالى ويرضاه من عباده، كما قال سبحانه في وصف أهل البر والإحسان: ﴿وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ﴾، وبذل المال لهؤلاء من أجل إطعامهم بصفة مستمرة هو الوقف الذي يجري لصاحبه أجره ما دام سارياً، كما قال عليه الصلاة والسلام: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له»، فهو صدقة جارية، وإذا كانت الصدقة الجارية إطعام الطعام فهي أعظم أجراً؛ لأنها أكبر نفعاً، فقد سئل النبي عليه الصلاة والسلام: أي الإسلام خير؟ فقال: «تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف»، فدل على أن هذا الإطعام هو من فضائل أهل الإسلام، وأن الذي يبادر إليه يكون من أهل الخير في هذا الشرع الشريف الذي هو شريعة الإنسانية، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام»، وهو خطاب لكل الناس أن يبادروا لإطعام الجائعين أياً كانوا، لاسيما من كان قادراً على بذل الفاضل من ماله في إطعام الناس وسد رمقهم حتى يعيشوا، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «ليس بالمؤمن الذي يبيت شبعانا وجاره جائع إلى جنبه»، والجيرة تختلف باختلاف المجاور، فمجاور الدار جار، ومجاور البلد جار، والدول اليوم كلها تعد جيرة واحدة، بسبب التواصل الحضاري والفضائي، فمن كان مقتدراً على إطعام من عضَّهم الدهر بنابه جوعاً وعرياً ومرضاً وقحطاً فلم يبادر إلى إطعامهم يكون مقصراً، وإن بادر بما تجود به نفسه كان من السابقين إلى الخيرات، فقد روى صهيب بن سنان، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أفضلكم من أطعم الطعام»، ثم قال: وايم الله، ولا أترك إطعام الطعام أبداً»، وكان صهيب يطعم الطعام من قِلَّة حيث لا مال له، حتى عتب عليه سيدنا عمر رضي الله عنه، لذلك فإن هذه المبادرة العظيمة لوقف مليار وجبة تعني أن من ساهم فيها يكون ممن أطعم الطعام، فإن هذا الوقف سيستثمر الأموالَ المتجمعة من هذه المبادرة من قبل أيد أمينة عليمة ليكون ريعها طعاماً وشراباً لفقراء الإنسانية الذين ينظرون إلينا ونحن نرفل في النعم، فيشهدون الله تعالى علينا، حيث لم نعطهم من مال الله الذي آتانا، وليس ذلك شأن المؤمنين الذين أثنى الله تعالى عليهم بقوله: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا﴾.

وقد جاءت هذه المبادرة في هذا الشهر الكريم الذي هو شهر المواساة، وشهر يزاد فيه رزق المؤمن، وشهر تكون النافلة فيه كالفريضة في غيره، والفريضة فيه كسبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الجود والكرم الذي كان فيه نبينا عليه الصلاة والسلام أجود بالخير من الريح المرسلة، وها هو سموه، حفظه الله، قد فتح باب المبادرة للمسابقة إلى الخيرات والتنافس فيها لنفع أنفسنا بالعمل الصالح الذي ندخره لمعادنا، فاستبقوا الخيرات.

فنسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لفعل الخير والإحسان للناس، وأن يجزي من فتح للناس هذا الباب المبارك خير الجزاء.

«كبير مفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي»

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه. 

تويتر