رمضان صحة للعقل ودواء للجسد

محمد سالم آل علي

تعلمون جميعكم أن صيام شهر رمضان الكريم يرافقه تحول مفاجئ في نمط حياتنا المعتاد، بما في ذلك أوقات الوجبات وكمياتها ومستويات النشاط البدني وعدد ساعات النوم والعلاقات الاجتماعية، وغيرها من الأمور الرئيسة التي تنظم إيقاع حياتنا اليومية. هذا كله إلى جانب الطبيعة الروحانية لهذا الشهر الكريم، الذي يتقرب فيه الإنسان إلى خالقه بالعبادة والعمل الصالح، ويغير أيضاً من سلوكياته المعتادة متجهاً أكثر نحو تعزيز الفضائل الإسلامية كضبط النفس وتطهير القلب وكبح الشهوات، إضافة إلى تقدير النعم والشعور بالفقراء والمستضعفين والتعاطف معهم إلى أقصى الحدود.

ولأنه كريمٌ مُبارك، فإنه يأتي بآثار إيجابية لا تعد ولا تحصى على الصحة الجسدية والعقلية، ولا أتحدث هنا عن فقدان الوزن واستعادة الجسم الرشيق فحسب، وإنما عن الفوائد الجمة على عموم الجوانب الصحية، والتي تعزز من قدرة الجسم على مواجهة مجموعة واسعة من الاضطرابات والأمراض المزمنة، بما في ذلك السمنة والسكري وأمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان وأمراض الدماغ والأعصاب؛ وقد جاءت العديد من الدراسات لتثبت ذلك بالأرقام، فالأشخاص الذين يصومون خلال شهر رمضان ويراعون الغذاء السليم والوجبات الصحية مع ممارسة الرياضة بانتظام، لُوحظ لديهم مجموعة من التغيرات الفيزيولوجية الإيجابية كانخفاض وزن الجسم وتحسن مستويات كل من السكر والدهون وضغط الدم، بما في ذلك صحة جهاز الدوران بشكل عام، بالإضافة إلى ذلك كله هناك أيضاً مستويات الكوليسترول الكلي والتي تبدأ بالانخفاض التدريجي مع كل يوم من الصيام إلى أن تعود إلى معدلاتها الطبيعية بعد انتهاء الشهر الفضيل.

وكما ذكرت أعلاه فإن الفوائد لا تقتصر على النواحي الجسدية وإنما تتعداها لتشمل العقل أيضاً، لأن شهر رمضان الكريم هو فرصة لتحقيق الشعور بالسلام والطمأنينة الداخلية، وأيضاً للتأمل الذاتي في جوانب الحياة المختلفة والعمل على تحسينها، وهو مناسبة أيضاً للنمو الروحي من خلال الصلاة وتلاوة القرآن، وما يرتبط بذلك من تقوية للإيمان وتنمية لمشاعر الراحة، إضافة إلى مساهمته الرئيسة في تعميق الأواصر الاجتماعية وتعزيزها من خلال الوقت الذي يقضيه الناس مع أقاربهم وأحبائهم؛ وقد انعكست كل هذه الأمور إيجاباً على نتائج العديد من الدراسات والأبحاث التي أثبتت بدورها، وبما لا يدع مجالاً للشك، أن صيام شهر رمضان يلعب دوراً محورياً في تحسين درجة قبول الذات والاكتفاء والقناعة، وغيرها من مؤثرات نفسية لها الدور الأكبر في تقوية النفس، بالإضافة إلى التخفيف من مشاعر القلق والاكتئاب وتقليل مستويات التوتر لدى عموم الناس، وقد أكدت جميع الأبحاث ذات الصلة على العلاقة بين الصوم وارتفاع مستويات هرمون الإندورفين، وهو ذلك الهرمون المسؤول عن تحسين الحالة المزاجية والعاطفية للإنسان مع زيادة القدرة على التسكين وتخفيف الآلام.

ومن أجل تحقيق الاستفادة الصحية المُثلى من صيام هذا الشهر الكريم، لابد من أعمدة ومرتكزات ثلاث: أولها العبادة والإحسان والتأمل في ما منّ الله علينا به من نعم وبركات، وثانيها النظام الغذائي الصحي والسليم الذي يتميز بالتنوع والاعتدال، وثالثها نمط الحياة الذي تملؤه الحركة والنشاط، فصيام شهر رمضان هو صيام للروح قبل الجسد، وإذا كان يُقال إن العقل السليم في الجسم السليم، فإن صيام هذا الشهر المبارك هو تلك الفرصة السانحة للاستشفاء وإعادة التوازن، وهو المحطة السنوية التي تغسل الهموم والذنوب، وتعيد الجسم إلى المسار الصحي السليم بعد أن حيّدته الأيام. قال تعالى «وَأَن تَصُومُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ». صدق الله العظيم.

مؤسس سهيل للحلول الذكية

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر