روي نابيرو

الدكتور علاء جراد

كانت زيارتي الأولى للبرتغال الأسبوع الماضي، وقد سمعت كثيراً عن جودة القهوة هناك، وفي الطريق من المطار إلى الفندق، سألت السائق عن أفضل نوع قهوة، وعلى الفور قال لي «دلتا» طبعاً.

وسرعان ما انتقل الحديث إلى مؤسس شركة دلتا، رجل الأعمال البرتغالي «روي نابيرو»، الذي وافته المنية قبل زيارتي بيومين، وكان السائق حزيناً جداً، كأنما يتحدث عن أحد أفراد أسرته، وقد حكى لي قصصاً كثيرة عن إسهامات الرجل للمجتمع المحلي، لاسيما لأهل مقاطعة «كامبو مايور»، مسقط رأسه، وقد أثار فضولي حديث السائق لأعرف أكثر عن روي نابيرو.

وفي الاستراحة الأولى للمؤتمر، كانت علامة دلتا على الفناجين في أيدي الحضور، وكان الحديث أيضاً عن الرجل نفسه، وعلى العشاء كان هو محور الحديث أيضاً، ليس لجودة القهوة فحسب بالطبع، ولكن لأيادي الرجل البيضاء على البرتغال، وعلى موظفي شركته، وقد رأيت صورته على غلاف كل المجلات والصحف في البرتغال.

نعاه رئيس الجمهورية، وقال عنه وزير الاقتصاد أنطونيو كوستا سيلفا، إن نابيرو رجل أعمال «يتمتع برؤية استراتيجية متقدمة للغاية، تجمع بين القدرة على تكوين الثروة، وتحمل المسؤولية الاجتماعية تجاه الموظفين والمجتمع المحيط».

ولد روي عام 1931، وبدأ العمل في سن 12 سنة، ليساعد والديه في محل البقالة، ثم في سن 17 بدأ في الاتجاه نحو بدء عمله الخاص، وهو تحميص البن بنسب وجودة عالية، وقد لاقى بعض الدعم من أعمامه، ومنذ اليوم الأول لم يكن هدفه فقط الربح، بل التوسع والنمو ومشاركة الأرباح مع العاملين، وإيجاد مزيد من فرص العمل لأبناء بلده، وسرعان ما حقق شهرة كبيرة، وزاد عدد فروع شركة دلتا، وزاد التصدير لمختلف دول العالم، ما أكسبه شهرة في عالم السياسة، فشغل منصب عمدة المدينة، ولكن سرعان ما ترك العمل العام ليركز على شركته ونموها.

وجلب النجاح مزيداً من النجاح، واستمر العمل الجاد والمخلص في بناء المصداقية والسمعة، وتطورت الشركة التي بدأت في محل مساحته 50 متراً مربعاً، بسعة 30 كيلوغراماً من البن في اليوم، وثلاثة عاملين، إلى الشركة الأولى في البرتغال، وبحصة سوقية في عام 1998، بلغت 42%، وإسهام في بناء 22 شركة فرعية، واستمر النمو فزاد عدد فروع التوزيع إلى 47 ألف فرع حول العالم، وأكثر من 3000 موظف، وقد تنوعت منتجات الشركة وسجلت عدداً كبيراً من براءات الاختراع.

إن تطور شركة دلتا قد يكون طبيعياً ومشابهاً لتطور شركات مماثلة، وقصص نجاح كثيرة، لكن الفارق في هذه الرحلة هو أسلوب العمل الذي تبناه مؤسس الشركة، واستطاع غرسه في فريق الإدارة وقيادة الشركة، حيث يديرها الآن حفيده الذي يحمل اسمه أيضاً، ففكرة احترام العاملين وإشراكهم في الأرباح ومراعاة ظروفهم الاجتماعية، والوقوف بجانبهم، قد جعلت الجميع يعملون بكل إخلاص على نمو الأعمال وزيادة أرباح الشركة، لعلمه أن ذلك سيعود عليه، وعلى المجتمع ككل.

لقد أصبح أسلوب «نابيرو» قدوة يحتذي بها رواد الأعمال الآخرون، ويعزز مبدأ اقتصاد القيم أو الاقتصاد الأخلاقي moral economy والذي يأخذ في الاعتبار البعد الاجتماعي، وهذا ما يحتاج إليه العالم الآن.

@Alaa_Garad

Garad@alaagarad.com

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه

تويتر