«نلتقي»

دراما الصّراخ

د. بروين حبيب

أعلم أن بضعة أيام من متابعة المسلسلات الخليجية الرمضانية لا تخوّلني أن أطلق أحكاماً نهائية، خصوصاً مع هذه الفورة الكبيرة في هذا الموسم الذي يعتبر الأكثر إنتاجاً منذ سنوات بنحو 30 مسلسلاً خليجياً. ولكن متابعتي اللصيقة للدراما الخليجية منذ بداياتها، ومعرفتي بخط المخرجين الفني يسمح لي أن أبدي رأيي الذي أرجو أن تَثبُتَ مجانبتي للصواب فيه مع انتهاء الموسم الرمضاني.

بكل ما تحمله الصراحة من قسوة في الحكم، لم أجد جديداً هذا الموسم في الدراما الخليجية، ويمكنني اختصارها في صنفين واضحين: أولهما مسلسلات مفصلة على مقاس النجوم المكرسين، كُتب لهم السيناريو تحديداً لتضمن الجهة المنتجة رواج العمل، مثل سرير «بروكست» الذي تُقطع رجلا النائم فيه ليلائم قياس السرير لا العكس. فلا مغامرة في الكتابة ولا تجريب ولا إفساح مجال لمواهب حقيقية ولكنها مغمورة.

وثانيهما مسلسلات تتكئ على شهرة «البلوغرز» و«الفاشينيستات» ونجوم الإعلام الجديد؛ إعلام وسائل التواصل الاجتماعي، دون الالتفات إلى أنهم غير مؤهلين للتمثيل، لقلة خبرتهم حتى لا أقول انعدام موهبتهم، بوجوه متشنجة جامدة لا تحمل أي تعبير. يفاقم هذا السوء البذخ المبالغ فيه من أزياء وحقائب فخمة وسيارات فارهة، فكيف نصدق الدور والإحساس والتعبير الدرامي والأداء التمثيلي نمطي وممل، تغطيه «أطنان» من المكياج الثقيل عند القيام من النوم على وجوه منتفخة الشفاه طويلة الرموش متشابهة مستنسخة؟

ألا يتابع المنتجون والمخرجون وكتّاب السيناريو الثورة الدرامية التي تحدث في العالم، والتي تقودها منصات مثل «نتفليكس» و«أمازون برايم» و«ديزني»؟ كيف نقنع مشاهداً تابع مسلسل «قيامة أرطغل» بمسلسل خليجي يدور حول ابن سيدة فقيرة تأخذه أسرة غنية، بعد أن يتم تبادل الطفلين خطأ في المستشفى، ما يعيدنا إلى الأفلام الهندية قبل نصف قرن؟

قضايانا ليست محصورة في التقاتل على الميراث، والتعدد، والخيانة الزوجية، والأخ الذي يستولي على شركة والده، والأم التي تغيب 30 سنة لتواجه عقوق أبنائها. ثم لماذا هذا المنسوب العالي من التلوث السمعي، حتى استحقت مسلسلاتنا الخليجية أن يطلق عليها لقب «دراما الصراخ»، من قال إن الخناقات هي الخبز اليومي على موائدنا، والصفاقة في الحوار هي طريقتنا في التعبير، ألا يوجد في بيوتنا وداعة وحب ومناقشة قضايا عامة، أكاد أجزم أن الدراما الخليجية البسيطة في بداياتها كانت أكثر تمثيلاً لنا من هذا المسخ العجيب الذي تدخله القنوات إلى بيوتنا حالياً.

أعتقد أنه آن الأوان أن نخفض منسوب الصراخ ونعلي منسوب الإبداع في مسلسلاتنا.

• كيف نصدق الدور والإحساس والتعبير الدرامي والأداء التمثيلي نمطي وممل، تغطيه «أطنان» من المكياج الثقيل عند القيام من النوم على وجوه منتفخة الشفاه طويلة الرموش متشابهة مستنسخة؟

@DrParweenHabib1

لقراءة مقالات سابقة للكاتب، يرجى النقر على اسمه.

تويتر